علم المبدأ والمعاد، وعرفان الرب والنفس، أم المراد أعم منه ومن العلوم التي فائدتها منحصرة في الحياة الدنيا، والاستنتاج والانتفاع من متاعها، كالصنائع والرياضيات والهندسيات وغيرها؟
ربما ادعى بعض المشغوفين بنتائج الصنائع، القاصرين طرفهم على لذات الماديات، البعيدين عن الكمالات المعنوية: ان المراد من العلم الذي وقع التحضيض عليه، والترغيب فيه من الشارع هو معناه العام، ومفهومه الشامل السعي المنطبق بحسب وضعه اللغوي على كل ادراك وكشف قائم بالنفس، سواء كان المنكشف دنيويا أو أخرويا، وسواء أكان من المعنويات والمجردات، أم من الماديات، وسواء أكان له مساس بعرفان الرب والنفس، أم لا ولكن يقال في جواب أصل السؤال، وفي تفنيد قول من زعم أن المراد من العلم مطلق إحاطة الفكر على الأشياء وخواصها ولوازمها ومنافعها:
ان المتأمل في الآثار الواردة عن الشارع، وحفاظ الشريعة، وأوعية علم الله، يقطع بأن المراد من العلم المرغب فيه من جانب الشرع، هو العلم الذي ينجي من الهلاك، ويقرب الانسان إلى الله، ويعرفه الرب، فيحمله على اطاعته وإطاعة سفرائه وخلفائه، ويعرفه نفسه، فيحمله على التحلي بالكمالات النفسانية، والتخلي عن الرذائل الأخلاقية.
وان من ادعى بالنظر البدوي: شمول العلم حتى للصنائع والفنون المادية، فهو عن صراط الحق لناكب، وعن نيل الحقيقة لبعيد.
ومن تصفح آثار المعصومين، وتعمق فيها أدنى تعمق ينكشف له جليا ان مرادهم من العلم الذي حثوا عليه، ورغبوا فيه غاية الترغيب، هو علم المبدأ والمعاد، وان غيره ليس بعلم.
فالعلم في عرف الشرع، إذا أطلق مجردا عن القرينة يراد منه عرفان مقام الربوبية والعبودية، وما يتبعهما من معرفة النبي والوصي، وما يقرب