وناهيك قول أمير المؤمنين عليه السلام: العالم من عرف قدره، ولم يتعد طوره، وكفى بالمرء جهلا ان لا يعرف قدره، الخ. كما في المختار 99، من خطب نهج البلاغة، إلى غير ذلك من الشواهد التي لا تحصى.
فان سأل سائل وقال: ما مقصود أمير المؤمنين (ع) من أهل العلم، في قوله: العلم مخزون عند أهله قد أمرتم بطلبه منهم؟ هل لعلم الدين أهل مخصوص يجب الاخذ منهم فقط، أم ان علم الدين أيضا كسائر العلوم والصنائع يجوز أخذه وتعلمه من كل من كان عالما به؟
قلنا: نعم لعلم الدين أهل مخصوص، علموا الدين وعقلوه عقل دراية ورعاية، لاعقل سماع ورواية، ويجب الاخذ منهم، ولا يجوز التعدي عنهم، لقول النبي صلى الله عليه وآله: لا تتأخروا عنهم فتهلكوا، ولا تتقدموهم فتمرقوا.
فان قيل: ومن هم المنعوتون بهذه الصفات، وهل لعرفانهم من سبيل؟
قلنا: المنعوتون بهذه الصفات هم الذين أمر الله الناس بالكون معهم في قوله: وكونوا مع الصادقين، وأمر بإطاعتهم أيض في قوله عز ممن قائل:
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. ووصفهم بقوله: وتعيها أذن واعية. وبقوله: ومن عنده علم الكتاب. ومدحهم بقوله: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.
فان قلت: لم يتضح المراد، فهل لك معرف وطريق آخر يكشف عن مرادك جليا؟
قلنا: نعم لنا طرق كثيرة لتعريفهم، ونشير هنا إلى بعضها ونقول:
ان المراد من أهل علم الدين هو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله في حقه: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فيأت الباب، ومن أتاها من غير بابها يعد سارقا.