إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب " وقال تعالى في الآية 17، من سورة السجدة: " أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستون " إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الكريمة. والسنن الصحيحة أيضا متواترة في ذلك المعنى، ووضوحها وظهورها يغني عن ايرادها.
إن قيل: إن أدلة العجب غير قاصرة عن شمولها للقسمين الأخيرين، فكيف حكمت بخروجهما عن العجب؟
قلت: ان الأدلة ناظرة إلى نوع سواد الناس الذين يصلون ركعتين وينتظرون الوحي، ويعملون ببعض الواجبات ويرون وصولهم إلى الكمال بأقصى الغايات، وهؤلاء لا ينفك عجبهم عن التكبر والتنمر، فالأخذ باطلاق الأدلة لادخال من لم يكن على هذه الصفة غير سائغ عند المحصلين، وقد قيدنا خروج القسمين عن العجب بما إذا خلا عن تضييع الحقوق، والخروج عن زي العبودية والانقياد لله تعالى، وعن العتو والعلو على عباد الله.
فان قيل: هذا صرف فرض، ومجرد ملاحظة لمفهوم العجب من حيث هو، ولو نظرنا إلى مفهوم العجب لحاظ تحققه ووجوده في الخارج - كما أنه بلحاظ خارجيته منهي عنه ومورد للتحذير - فهو غير منفك عن التقصير وتضييع الحقوق.
قلنا: الامر كذلك في جل المكلفين، واما العارفون بالله المستولون على أنفسهم وشهواتهم، العالمون بالحقائق، المميزون الداء من الدواء، والصواب من الخطاء، الآخذون بحكم العقل والشريعة، المواظبون دائما على استقامة الطريقة، فهم مبرأون عن التقصير في حق الخالق والخليقة، فمهما أدركوا عظمة نفوسهم، ورأوا أنهم أشرف من غيرهم بحسب إبداع الله، أو بحسب حسن اختيارهم وإرادتهم فإن لم يكن هذا الادراك سببا لزيادة شكرهم وحسن صنيعهم فإنه لن يكون موجبا لتضييعهم حقوق الله