وعبيده.
فان قيل: لا شئ للانسان حتى يعده من مفاخره ويعظم في عينه، ويحسبه في نفسه عظيما، فالعجب بماذا؟ فإن كان بلحاظ كونه ذا بسطة في العلم والجسم والقوة والادراك وما يرتبط بجهات خلقه من النعم التي أنعم الله عليه بها ابتداء، من غير سبق عمل للمكلف، ليتوهم انه أنعمها عليه جزاء لعمله، فلا ينبغي للعاقل ان يعجب بها، فإنها لم تكن لعظمته واستحقاقه ليتبجح بها ويعدها من مفاخره. وإن كان عجب الشخص لأجل أعماله وما كسبت يداه فالامر كذلك، لان الشخص بجميع خصوصياته ومنها علمه الكسبي وقدرته وارادته ملك لله، فبأي شئ يتبختر الانسان ويزهو؟
قلنا: كل حيوان - بطبعه الأولي وجبلته غير المنحرفة عن مجراها - يعلم أنه مختار في أكله وشربه وقيامه وقعوده وذهابه ومجيئه وفراغه وشغله، ويجد من نفسه انه إن أتى بشئ مما ذكر ونحوه فإنه يأتيه بإرادة واختيار، وان تركه يتركه اختيارا، ويفرق بفطرته بين اخذه اللقمة ووضعه بيده في فمه، وبين ما لو وجئ الغذاء في حلقه، ويميز بين نزوله شخصا من السطح، وبين ما يوثق ويرمي به من السطح، وكل أحد يعرف ان الحيوان إذا جئ به إلى شفا نهر فان أمكنه الوثوب والعبور يثب ويعبر، وإلا فلا، وأن الأسد والهرة إذا شاهدا الصيد واللحم فإن لم يريا مزاحما ومدافعا يتوثبان عليه، والا يفران أو ينتظران ارتفاع المزاحم، وهكذا جميع الحيوانات، هذا هو مقتضى الفطرة، وإنما يعدل عنها لأجل ان بطانة الانسان أو أبواه يشعرانه ويجبرانه أو يفوضانه، فمهما شك في شئ فلا ينبغي الشك في أن إعمال القدرة وصرف الاختيار والإرادة بيد الانسان فعلا وتركا، وبأعمال القدرة والاختيار في الطاعات يستحق الثواب، وبصرفهما في المعاصي يستحق