وبما انه كان من النفوس الزكية، تدارك عمله هذا لما وعظه أمير المؤمنين (ع) فتاب من صنيعه، وعاد على ما كان عليه، من العدالة، ولوازم علمه ومعرفته لا يقال: إن علمه واخلاصه لأمير المؤمنين (ع) مانعان من الخيانة ومفارقة أمير المؤمنين. لأنا نقول: إنه تحفظ على اخلاصه وموالاته لأمير المؤمنين (ع).
بالتوبة سريعا ورد أموال بيت المال، مع أنه كان متأولا - ولو كان منشأ تأوله الحرص، وطول الامل وحب المال، وكل نأول كان كذلك لا يعذر صاحبه ان لم يتب - الا انه (ره) لم يعلم أن الامر يؤول إلى علم أمير المؤمنين بالقضية، وانكسار قلبه وانزجاره من عمله، ولما علم بمال الامر وسخط الله ووليه عليه تاب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
إن قيل: لو كان حمل ابن عباس مما في بيت مال البصرة حقا وصدقا لأشير إليه في الاخبار والآثار، ولكان أعداء الهاشميين من بني أمية وغيرهم ينقمونه على ابن عباس ويعيرونه به. قلنا: قد أشير إليه في الاخبار، وروى أبو الفرج في مقاتل الطالبين أنه لما فر عبيد الله بن عباس - وهو قائد لمقدمة جيش الإمام الحسن (ع) لما خرج لحرب معاوية - إلى معاوية لأنه وعده بأن يعطيه ألف ألف درهم ان دخل في طاعته - فصلى قيس بن سعد بن عبادة بالناس فخطبهم وقال: (أيها الناس لا يهولنكم ولا يعظمن عليكم ما صنع هذا الرجل، ان هذا وأباه وأخاه لم يأتوا بيوم خير قط، ان أباه عم رسول الله خرج يقاتل ببدر، وان أخاه ولاه علي أمير المؤمنين على البصرة، فسرق مال الله ومال المسلمين فاشترى به الجواري وزعم أن ذلك له حلال، وان هذا ولاه على اليمن، فهرب من بسر بن أرطاة، وترك ولده حتى قتلوا، وصنع الآن هذا الذي صنع - إلى آخر كلامه بتلخيص منا.
وروى ابن أبي الحديد، في شرح المختار (458) من الباب الثالث من