من طريق الشيعة وأهل السنة أن ابن عباس (ره) أخذ من بيت المال زائدا عن عطائه ونصيبه، ولا استحالة في ذلك في مقام الثبوت ولا الاثبات معا، فيتعين الاخذ بها، ولا موجب لردها، أما عدم استحالته في مرحلة الثبوت والواقع ونفس الامر فظاهر، إذا لا يترتب على تصرف ابن العباس في بيت المال بلا مسوغ - أو بمسوغ خيالي - دور ولا خلف ولا تسلسل ولا نقض غرض للعالم الحكيم المقتدر. وأما عدم لزوم الاستحالة في مرحلة الظاهر.
وعالم الخارج، فلان ابن عباس من جهة قرابته القريبة بالنبي (ص) ومن أجل انه كانت تنوبه نوائب كثيرة وهو مشتغل بأمور الشريعة، كان يرى أن حقه في بيت المال أكثر مما لسواد الناس من العطاء، وإيضاع كان ابن عباس بمرأى ومسمع من تفرق الناس عن عدل أمير المؤمنين (ع) واستيحاشهم من عمله على مر الحق، واستيناسهم بتسامح معاوية في أمر الدين، وقناعته باسمه، وتفضيله الاشراف والرؤساء على غيرهم من سواد الناس في العطاء والولاية وغيرها مما تحن إليه النفوس، فكان (ره) يرى بحدسه الصائب أنهم عن غيهم لا يرجعون، بل يوما فيوما في تكثر الضلال يزيدون، وعن امامهم يفرون، ويتفرقون عنهم أشد تفرق ويلتزمون بحيل معاوية ووساوسه، وهو يقنع منهم باسم الدين ويتركهم وما يريدون ان لم تزاحم ارادتهم رئاسته وسياسته، وكان (ره) يرى أن معاوية سوف يتجر بأموال بيت المال في استيراد آلات اللهو والمزامير، ومبادلة المغنيات، والبسة الحرير لرجال مملكته وأركان سياسته، وحمل روايا الخمر من بلد إلى بلد لأهل طربه - كما كان دأبه في أيام الخلفاء، لا سيما في عهد عثمان فإنه كان فاعلا لما يشاء - وانه سوف يترك الهاشمين بلا بلغة، فعقيدة ابن عباس بما ذكر وحبه للحياة وآماله الطويلة، حملته على حمل أموال بيت المال، وصرفها في حوائجه الشخصية،