وهذا ليس ببدع، فقد آنسنا القرآن بذلك في أوليائه: * (إذ قال الله يا عيسى ابن مريم، أذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس، تكلم الناس في المهد وكهلا...) * (1).
وبذلك قام عيسى عليه السلام بخلق طير من طين فنفخ فيه فصار حيا، وأبرأ الأبرص والأكمه وأحيى الموتى بإذن الله.
فالله سبحانه يتفضل على الإمام ويهب له من عنده علما يرى به ما وراء الحجاب، ويرى ما يكون للناس إلى يوم القيامة، وبذلك العلم الذي آتاه الله يكون الامام شهيدا على الناس في ما يعملون في دنياهم ويشفع لهم عند بارئهم في آخرتهم، وبذلك الروح القدسي يفعل ما يفعل في الموجودات، وينفذ فيهم ما يريد، فيشفي المريض، ويبرأ الأكمه والأبرص، على خلاف السنة الجارية.
وبذلك أعطي يحيى الحكم صبيا، وتكلم عيسى في المهد، وكأن يحيى كان مقدمة لعيسى لتزول عنهم الدهشة، إذ رأوا قبل ذلك في يحيى ما رأوه، فسهل عليهم الأمر في عيسى في ولادته بغير أب، وفي تكلمه في المهد صبيا.
وقد امتاز الإمام الجواد عليه السلام بالنظر إلى من سلف من الأئمة عليهم السلام بتلك الميزة، فقام بالأمر في السابعة من عمره، ونهض بأعباء الإمامة، وحير الناس بما أبدى من المسائل الدينية الدقيقة في أيام إمامته، كما حير من قبل عيسى ويحيى عليهما السلام أهل زمانهم. وكأنه عليه السلام كان كيحيى مقدمة لمن يقوم بأعباء الإمامة ويتصدى لإزالة الجور والعدوان، ويبسط العدل على بسيطة الأرض، ويحقق وعد الله أن يرث الأرض عباده الصالحون.