كان أبو جعفر الجواد عليه السلام مقدمة لبقية الله ولي العصر القائم بأمر الناس روحي له الفداء في الخامسة من عمره الشريف. قام عليه السلام بذلك بتأييد من روح القدس ومهمة الإمامة في صغر السن، وفي محيط خاص، وفي برهة قصيرة من الدهر، لها شادة (1) مخصوصة، فقد انتشر فيها ما ليونان وغيرها من الأمم الراقية من الفلسفة والعلوم، ما لم يقف عليها العرب والمسلمون من قبل.
فاضطرب أمر الناس، وتشوشت الأذهان، وتسربت الشبهات في النفوس، وكثر فيهم أهل الكلام، وتجمع علماء الملل والنحل، فاضطلع الإمام عليه السلام، بإزاحة ما شغل بال الناس من الالتباسات الطارئة عليهم وما يجابهون من المسائل المستغلقة، فأضاء لهم السبيل، ونور الأفكار، وحل المشكلات، وأوضح المعضلات، وكشف عن الغوامض والمبهمات من دقائق المسائل التي لم يسبق لغيره بيانها.
فمن ذلك ما سأله مشاهير علماء عصره عن أعقد المسائل في الفقه والكلام والفلسفة، فأجابهم بما اشتهر وذاع، وصار حديث الأندية والمجالس، وما زال يذكر بالاعجاب والاكبار على امتداد التاريخ، ولاغرو، فإنهم كالنجوم يهتدي بهم في ظلمات البر والبحر، يقومون بإسعاف الناس وقضاء حوائجهم في كل عصر، وفي كل مصر.
ألم تر أن أبا جعفر الأول منهم: محمد بن علي الباقر عليه السلام، نهض بنشر السنة عندما فتح باب تدوين الرواية بعد ما كان مسدودا قرابة قرن سده الخليفة الثاني، ولأمر ما جدع قصير أنفه، فقام ولم يأل جهدا حتى أضاء للسائلين الطريق، ونهج لهم المنهج، فأخذوا منه عليه السلام مناسكهم، وسائر مسائلهم، وظهر