الكليني والكافي - الشيخ عبد الرسول الغفار - الصفحة ٦٣
أما سبب خروج الأحوص فإنه كان من أتباع المختار الثقفي (1) الذي خرج
(1) لقد اشتبه بعض المؤلفين لما نسب الأحوص إلى اتباع زيد الشهيد، لان هجرة الأشعريين من الكوفة كانت زمن الحجاج بن يوسف الثقفي، والذي كان واليا على العراق منذ عام 75 ه إلى عام 95 ه، بمعنى استمرت إمارته من حكومة عبد الملك بن مروان (65 - 86) إلى حكومة الوليد بن عبد الملك (86 - 96)، ثم جاء من بعد الوليد أخوه سليمان بن عبد الملك فحكم من (96 - 99)، وبعده جاء عمر بن عبد العزيز وكانت حكومته (99 - 101)، ثم جاء بعده يزيد ابن عبد الملك وحكم (101 - 105)، ثم جاء هشام بن عبد الملك فحكم (105 - 125). وكتب التاريخ وأرباب المقاتل تذكر أن ولادة زيد بن عليالشهيد كانت عام 80 ه، والبعض يذكر عام 75 ه، وأما شهادته فلا اختلاف في كونها زمن هشام بن عبد الملك، إلا أنهم اختلفوا في كونها سنة 120 أم سنة 122، فيوم استشهد زيد - رضوان الله عليه - كان عمره 42 سنة، وعلى بعض الروايات أن عمره الشريف 47 سنة.
فمن الأنسب والمعقول أن يكون الأحوص وعبد الله من أولاد سعد بن مالك، وأنهما كانا من أتباع المختار، ولما انتهت حكومة المختار باستشهاده بالكوفة، ودخول مصعب بن الزبير سنة (67)، ثم بعد ذلك آلت الأمور أن يدخلها الحجاج بن يوسف الثقفي واليا سنة (75)، وجد نفسه مدينا للأمويين الذين أسندوا له إمارة الكوفة، لذا أخذ يتتبع أنصار المختار فينتقم منهم، ومن كان في جنده، أو من أتباعه الذين ثأروا لدماء أهل البيت عليهم السلام بعد استشهادالحسين عليه السلام في كربلاء.
فلو سلمنا أن الأحوص كان من أنصار المختار وأعوانه، ثم ولاءه للمختار وأهل البيت عليهم السلام قاده إلى أن يمكث في سجن الحجاج بن يوسف الثقفي أربع سنوات، وبعدها خرج من السجن بعدما عفا عنه الحجاج، فكل ذلك يؤدي بنا أن نرجح تاريخ هجرة الأشعريين إلى قم حدود عام 90 ه أو ما بعدها بسنة واحدة أو سنتين، وغاية ما يقال: إنهم دخلوا قم سنة 93 ه، فأين الأحوص من اشتراكه مع ثورة زيد التي كانت عام 122 ه زمن هشام بن عبد الملك؟!
وللأحوص إخوة، هم: عبد الله، وعبد الرحمان، وبكر، ونعيم، ويستفاد من ترجمة المامقاني لعبد الله، أن سعدا والدهم هو أول من سكن قم، وقد ترحم عليهم الإمام الصادق عليه السلام.
قال في التنقيح: عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري، يظهر من ترجمة ابنيه عمران وعيسى، جلالته، اما في عمران فإن أبا عبد الله عليه السلام حيث قربه وسأله عن حاله وحال ولده وأهله وبني عمه وأهل بيته، وسئل عليه السلام عنه، من هذا؟ قال الإمام الصادق عليه السلام: " هذا نجيب من قوم نجباء، ما نصب لهم جبار إلا قصمه الله "، وفي خبر آخر: " هذا من أهل البيت النجباء، يعني أهل قم ما أرادهم جبار من الجبابرة إلا قصمه الله تعالى ". وأما في عيسى فقول علي بن أحمد العقيقي في ترجمة عيسى أنه يشبه أباه، وكان وجها عند أبي عبد الله عليه السلام مختصا به، وفي مقدمة " الجامع " للحارثي العاملي - من علمائنا - أن عبد الله هذا من أولاد الأحوص، والمنسوبون إلى عبد الله هذا كثيرون، وأكثرهم صلحاء، لهم خدمة واتصال، وأول من سكن بقم منهم أبوه سعد بن مالك بن الأحوص بن السائب بن مالك بن عامر، وكان السائب وفد إلى النبي صلى الله عليه وآله، وهاجر إلى الكوفةوأقام بها. تنقيح المقال: 2 / 184.
من هذا نستنتج:
أولا: أن الأحوص الذي كان في سجن الحجاج هو من أحفاد الأحوص بن السائب بن مالك.
ثانيا: لا منافاة من كون سعد - والد الأحوص وعبد الله - قد سكن قم قبل ولديه بفترة وإن كانت وجيزة، بل قل: إن أول قافلة اتجهت إلى قم هي قافلة سعد، ثم تبعتها قوافل الأشعريين التي من ضمنها ركب الأحوص وعبد الله.
ثالثا: ولو قلنا - على ما في القول من ضعف -: إن الأحوص هذا قد دخل الكوفة ثانية، واشترك مع زيد الشهيد في ثورته، لكن لابد من رفض الرواية القائلة بأن الحجاج حبس الأحوص بسبب اشتراكه في ثورة زيد، لما عرفت من أن الفاصل الزمني بين ثورة زيد الشهيد ووفاة الحجاج عام (95 ه) فاصل كبير، ثم إن زيد كانت ولادته - كما تقدم في أحد الروايات - عام (75 ه)، بغض النظر عن الروايات القائلة: إنه ولد في عام (80 ه)، فلم يحدثنا التاريخ أن زيدا كانت ثورته زمن الوليد بن عبد الملك، ولا أن الحجاج كان له دور في إخماد تلك الثورة أو ملاحقة أنصاره...
والخلاصة: نفهم أن الحجاج حبس الأحوص، ولاحق الأشعريين، لكونهم من أتباع أهل البيت عليهم السلام، ولاشتراك بعضهم في ثورة التوابين وثورة المختار.