الإمامة، لأن المهاجرين قالوا: نحن أحق بالأمر، لأن الرسول (صلى الله عليه وآله) منا ولكيت وكيت، والأنصار قالوا: نحن آويناه ونصرناه، فمنا أمير ومنكم أمير. والنص لا يذكر فيما بينهم، ولم يطل العهد عليهم، فينسوه أو يتناسوه ولا يتناسى.
فعلم أنهم قد وطنوا نفوسهم على نبذ العهود، واطراح النصوص، ومخالفة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وتغيير ما أطد، وهدم ما أسس ومهد، وتواطئوا على مخالفة نبيهم وجحود امامهم، والتعويل على أهوائهم السخيفة وآرائهم الضعيفة.
واستبان أنهم ما أقدموا على ذلك الأمر الفضيع والخطب الشنيع الا وهم على غيره من الضرر العظيم أشد اقداما، فأي طمع يبقى في نزوعهم لوعظ أو تذكير.
على أنا لا نسلم أنه صلوات الله عليه لم يقع منه انكار على وجه من الوجوه، فان الرواية متظافرة بأنه (عليه السلام) لم يزل يتظلم ويتألم ويشكو أنه مظلوم ومقهور في مقام بعد مقام، وخطاب بعد خطاب، وقد ذكرنا تفصيل هذه الجملة في كتابنا الشافي في الإمامة، وأوردنا طرفا مما روي في هذا الباب.
وبينا أن كلامه في هذا المعنى ترتب في الأحوال بحسب ترتبها في الشدة واللين، وكان المسموع من كلامه (عليه السلام) في أيام أبي بكر، لا سيما في صدرها وعند ابتغاء البيعة له ما لم يكن مسموعا في أيام عمر، ثم صرح (عليه السلام) وقوى تعريضه في أيام عثمان، ثم انتهت الحال في أيام تسليم الأمر إليه إلى أنه (عليه السلام) ما كان يخطب خطبة ولا يقف موقفا الا ويتظلم فيه بالألفاظ المختلفة والوجوه المتباينة، حتى اشترك في معرفة ما في نفسه الولي والعدو، والقريب والبعيد.
فأما محاربة أهل البصرة، ثم أهل صفين، فلا يجري مجرى التظاهر بالانكار على المتقدمين عليه صلوات الله عليه وآله، لأنه (عليه السلام) وجد على هؤلاء أعوانا وأنصارا يكثر عددهم، ويرجى النصرة والظفر بمثلهم، لأن الشبهة في فعلهم وبغيهم كانت