المقام الرابع في صدور الاخبار بالأمور الغيبية عنه وهي أكثر من أن تحصى، وقد أوردنا جملة مقنعة في كتابنا مجمع المناقب. والذي ينبغي أن نذكر هنا التنبيه على أنه كان لنفسه القدسية استعداد بأن تنتقش بالأمور الغيبية عن إفاضة جود الله تعالى، وفرق بين هذا وبين علم الغيب الذي لا يعلمه الا الله، فان المراد به هو العلم الذي لا يكون مستفادا من سبب يفيده، ومن المعلوم أن ذلك إنما يصدق في حق الله تعالى، إذ كل علم لذي علم عداه فهو مستفاد من جوده:
إما بواسطة، أو بغير واسطة، فلا يكون علم الغيب، وإن كان اطلاعا على أمر غيبي لا يتأهل للاطلاع عليه كل الناس، بل يختص بنفوس خصت بعناية إلهية، كما قال تعالى شأنه ﴿عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى﴾ (1).
وبهذا التحقيق يسقط ما أورده بعضهم من أن اخباره بالمغيبات ليس بعلم ألهمه الله إياه وأفاضه عليه، بل الرسول (صلى الله عليه وآله) أخبره بوقائع جزئية من ذلك، وحينئذ لا يبقى بينه وبين غيره فرق في ذلك، فان الواحد منا لو أخبره الرسول (صلى الله عليه وآله) بشئ من ذلك لكان له أن يخبر بما قال الرسول، وان وقع المخبر به على وفق قوله.
ويدل على ذلك قوله (عليه السلام) بعد وصف الأتراك، وقد قال له بعض أصحابه في ذلك