والاشتغال بالخلافة عن تجهيز الرسول (صلى الله عليه وآله)، بأن مبادرتهما لذلك إنما هي لقوله (صلى الله عليه وآله) (من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية) وهذا يدل على أن ليس المراد القرآن، وان المراد من لم يعرف امام زمانه بالمصطلح.
جوهرة فاخرة:
اختلف علماؤنا في سبب غيبته (عليه السلام)، فقال جمع منهم: لا يجوز نسبته إلى الله تعالى لحكمته، والامام لطف، فلا يليق بحكمته منعه، ولا إلى الامام لعصمته، فلا يكون الاخلال من جهته، لعدم جواز الاخلال بالواجب عليه، فيكون السبب من الرعية. فبكثرة عدوه منهم، وقلة ناصره، وتسلط شياطين الانس وسلاطين الجور على أطراف الربع المعمور وجوانبه، خاف على نفسه، ودفع الضرر عن النفس واجب، فاختفى عنهم.
وذلك بعد لزوم الحجة للخلق، وكشف الحقيقة، وإزاحة العلة، وسد طرق الأعذار عليهم، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، إذ ليس الواجب على الله سبحانه سوى ايجاد الامام وتعيينه، وقد فعل ذلك، والواجب على الامام قبول الإمامة وتحمله لأعبائها، وقد فعله أيضا، والواجب على الأمة متابعة الامام وقبول أحكامه وامتثال أوامره ونواهيه وطاعته ونصرته على أعدائه، وهم لم يفعلوا ذلك، فكانت الحجة لهم لازمة، لأنهم منعوا نفسهم اللطف الحافظ للشريعة.
وقال بعض الأعلام: انا لما أثبتنا أنه تعالى عدل حكيم لا يفعل قبيحا، ولا يخل بواجب، وان أفعال الله تعالى معللة بالأغراض والمصالح، كان ذلك موجبا لاعتقاد أن جميع أفعاله تعالى مشتملة على الغرض الصحيح، وان لم نعلم كنه ذلك الغرض وحقيقة تلك الحكمة، إذ لا سبيل لنا إلى معرفة حقائق جميع الأشياء، لعجز القوة البشرية عن ادراك جميع ذلك.