وهو منهما جهالة أو تجاهل، فان المفهوم من هذه الواقعة، والمستفاد من الأخبار التي سردناها، اختصاصه (عليه السلام) بكل وصف من تلك الصفات، وما نقلناه عن اليافعي وابن الصباغ في توجيه قول عمر (ما أحببت الامارة) إلى آخر كلامه يشهد بذلك.
ثم نقول لهذين المتجاهلين: انه على ما ذكرتم يلزم اختصاصه (عليه السلام) بكونه كرارا غير فرار، ومعلوم أنه يستلزم اتصاف من عداه بصفة الفرار من الزحف والانهزام منه، وهو معصية فضيعة وكبيرة موبقة، فيكون أفضل ممن عداه جزما.
ثم نقول: انهزام الجبت والطاغوت وفرارهما: إما أن يكون جائزا، أو حراما، فعلى الأول لا معنى لغضبه (عليه السلام)، وتعريضه بفرارهما بقوله (كرار غير فرار) فان في هذا الكلام تعريضا ظاهرا بهما إذ فرا من الزحف، وأيضا فقد قام الدليل القاطع على تحريم الفرار من الزحف، وعلى الثاني كيف يتصور صلاحيتهما للإمامة مع ظهور فسقهما؟ وكيف يتصور كونهما أفضل منه (عليه السلام)؟ وهذا واضح ولله الحمد.
جوهرة من جواهر الأفكار لا من جواهر البحار:
كل من كان ذا ذوق سليم وذهن مستقيم وديانة وافرة وقريحة نيرة ظاهرة، وخلع عن عنقه قلادة التقليد للآباء والأجداد، وتحرى سلوك شارع الرشاد ومنهج السداد، لا يشتبه عليه أن قصده (عليه السلام) بارساله اللصين المتمردين، مع أنه يعلم بعاقبة حالهما، لأن ارسالهما أولا بالوحي من الجانب الإلهي، إذ هولا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى، ليس الا اظهار فضيحتهما وتبيين نقصانهما، ليظهر لكل من له قلب حديد (1)، أو ألقى السمع وهو شهيد، انتظامهما في سلك أهل الكبائر، وعدم