وكذلك أبونا (عليه السلام) اتبع آثار الأنبياء، وأظهر الهدنة (1) مع أعدائه خوفا على نفسه وعلى الدين، إذ لم يقدر على الإنكار عليهم، لاجتماع الناس على الباطل واحتفالهم (2) على اعلاء كلمته، وابراز الضلالة من أكمامها، ولولا ذلك لحدث أمر عظيم، وبرزت الشرور من أغلافها، وحل به وبشيعته من أنواع النوائب التي تتصل مادتها إلى يوم القيامة (3).
وأقول: انه على ما بيناه وذكرناه في تأويل الحديث المنقول عن الأمالي يسقط السؤال المذكور بالكلية، لأنه إذا كان تركه الانكار والمحاربة في ولاية اللصوص الثلاثة المتقدمين ومحاربته لأهل البصرة وصفين والنهروان عهدا معهودا من النبي (صلى الله عليه وآله) كما علمته، ووصية سابقة منه سلام الله عليه وآله، لم يكن للايراد المذكور محل، لأن عهده (صلى الله عليه وآله) بذلك لا يستند إلى الرأي والاجتهاد، لما حققناه في الكتب الأصولية من أنه (صلى الله عليه وآله) لم يتعبد بالرأي والاجتهاد، وانه غير لائق بشأنه لأنه لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى.
وذهب أكثر المخالفين إلى جواز الاجتهاد عليه (صلى الله عليه وآله). واختلفوا في وقوعه، فقال به قوم، وأنكره آخرون، وتوقف فيه ثالث، وهو خيرة الغزالي في المستصفى، وقد دللنا على حقية ما اخترناه في شرحنا على تهذيب الأصول، وإذا كان وحيا من الله سبحانه لم يتجه السؤال، لتوجهه إلى حضرة من لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
ويروى أن ابن عباس (رحمه الله)، سأله (عليه السلام) يوم اكره على بيعة أبي بكر، فقال له: أين شجاعتك التي كانت في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلم يجبه حتى إذا كان يوم الجمل أجابه، وقال: يا بن عباس أتذكر يوما قلت لي كذا وكذا، فقال صلوات الله عليه:
لو قاتلت القوم وقتلتهم لم يكن معنا اليوم من هؤلاء أحد.