المقام الثاني ما يستفاد من حديث البساط من تأمل بعين البصيرة وتخلص عن رق التقليد للاسلاف وتحرى سلوك محجة الحق وجادة الانصاف، علم أنه ليس الغرض من هذه الواقعة الا النص على مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) بالإمامة والوصية، والتسجيل على الطواغيت المتلصصين وقطع عرق تعلقاتهم، وليعلموا أن وصيته وامامته مما لا يحوم حولهما شك، ولا يعتريهما ريب، حيث أخبر بهما الصديقون من الأمم السالفة.
ولتنحسم مادة التهم التي تتسارع إلى بصائرهم الضعيفة من أنه (صلى الله عليه وآله) إنما فضله عليهم وحباه بالإمامة والوصية دونهم لقربه منه محاباة، لا بأمر الحق عز شأنه، وليشاهدوا ما خص به من الكرامات الإلهية والمقامات السبحانية، والدرجات الباسقة التي لا تنالها أيدي الآمال، وتلوث ذيولها بكدورات أهل الضلال، وقد تضمن من كرامته (صلى الله عليه وآله) أنحاء.
منها: تسخير الرياح له كسليمان (عليهما السلام).
ومنها: سرعة سيرها بهم حتى أدركوا الصلاة مع النبي (صلى الله عليه وآله)، وهذا مما لم يتفق لغيره (عليه السلام).
ومنها: تكليمه الفتية أهل الكهف ومخاطبتهم إياه.
ومنها: شهادتهم له بالوصية، حيث قالوا: انا معشر الصديقين والشهداء لا نكلم بعد الموت الا نبيا أو وصيا.
ومنها: اخباره (عليه السلام) بالغيب حين أخبر أنهم يدركون النبي (صلى الله عليه وآله) في آخر ركعة.
والعجب من الطواغيت المتلصصة والشياطين المتمردة حيث شاهدوا هذه النصوص الجلية، وعاينوا هذه الكرامات السنية والمقامات العلية، فقابلوها