تستحق الصديقية، وبالعمل الصالح ينال ملكوت السماء، ما يثقل في الميزان إلا النية الصادقة، والأعمال الطاهرة، وكف الأذى، والنصيحة لجميع الورى، واجتناب المحارم، والهرب من المآثم، فاعبدوا الله الذي فطركم، وسوى صوركم، وأنيبوا إليه، وتوكلوا عليه يسهل لكم في دنياكم المطالب، ويجركم في معادكم من المعاطب، واعلموا أن الخير بيديه، والأمور كلها إليه، وهو العزيز الغلاب.
الصحيفة السادسة عشر صحيفة الأفلاك يا أخنوخ! أما تفكرت في بدائع فطرة الله الذي بصرك عجائبها، وأراك مراتبها من هذه الأفلاك الدوارة، والنجوم السيارة، التي تطلع وتأفل، و تستقر أحيانا وترحل، وتضئ في الظلم والدآدي، وتهتدى بها في اللجج والفيافي، تنجم وتغور، وتدبر عجائب الأمور، لازمة مجاري مناطقها، عانية خاضعة لأمر خالقها.
أما نظرت إلى هذه الشمس المنيرة المفرقة بين الليل والنهار، المعاقبة بين الاظلام والاسفار، المغيرة فصول السنة إسخانا وتبريدا، وإفراطا وتعديلا المربية لثمار الأشجار، وجواهر المعادن في الابار، التي إن دامت على حال واحدة لم ينبت زرع، ولم يدر ضرع، ولا حيى حيوان، ولا استقر زمان ومكان، أما علمت أن ذلك بفطرة حكيم وسع علمه الأشياء، وخلق قوي لا يستثقل الأعباء، وأمر عليم لا يتكأده الاحصاء، وحكم قادر لا يلحقه نصب ولا إعياء، وتدبير عال لا مغالب لحكمه، وأن ذلك لعنايته بضعاف الخلق، وكرمه في إدرار الرزق، وأنه تعالى العالم الحق الذي لا يغيب عنه ما كان ولا ما يكون.
الصحيفة السابعة عشر صحيفة المعاصي يا أخنوخ! قد كثرت المعاصي، ونبذت الطاعات، ونسيني خلقي، كأنهم ليس يأكلون رزقي، ولا يستوطنون أرضي، ولا تكنهم سمائي، ما الذي يؤمنهم أن أشوه خلقهم، أو أطمس وجوههم، أو أحبس الأمطار عنهم؟ أو أصلد الأرضين