عادتي فيمن عرفني وعبدني، ولهم في الآخرة دار الخلود في نعيم لا يبيد، وسرور لا يشوبه غم، وحبور لا يختلط به هم، وحياة لا تتعقبها وفاة، ونعمة لا يعتورها نقمة، فسبحاني سبحاني وطوبى لمن سبحني، وقدوس أنا وطوبى لمن قدسني، جلت عظمتي فلا تحد، وكثرت نعمتي فلا تعد، وأنا القوي العزيز.
الصحيفة الخامسة صحيفة العظمة يا أخنوخ أعجبت لمن رأيت من الملائكة، واستبدعت الصور، واستهلت الخلق، واستكثرت العدد، وما رأيت منهم كالقطرة الواحدة من ماء البحار، والورقة الواحدة من ورق الأشجار، أتتعجب مما رأيت من عظمة الله، فلما غاب عنك أكبر، وتستبدع صنعة الله فلما لم تبصره عنك أهول وأكبر؟ ما يحيط خط كل بنان، ولا يحوى نطق كل لسان، مذ ابتدأ الله خلقه إلى انتهاء العالم أقل جزء من بدايع فطرته، وأدنى شئ من عجائب صنعته، إن لله ملائكة لو نشر الواحد جناحه لملا الآفاق، وسد الاماق (1) وإن له لملكا نصفه من ثلج جمد، ونصفه من لهب متقد، لا حاجز بينهما، فلا النار تذيب الجمد، ولا الثلج تطفئ اللهب المتقد، لهذا الملك ثلاثون ألف رأس في كل رأس ثلاثون ألف وجه في كل وجه ثلاثون ألف فم في كل فم ثلاثون ألف لسان، يخرج من كل لسان ثلاثون ألف لغة، تقدس الله بتقديساته، وتسبحه بتسبيحاته، وتعظمه بعظماته، وتذكر لطائف فطراته، وكم في ملكه تعالى جده من أمثاله، ومن أعظم منه.
يجتهدون في التسبيح فيقصرون، ويدأبون في التقديس فيحسرون، وهذا ما خلا شئ من آياتي وجلالي، إن في البعوضة التي تستحقرها، والذرة التي تستصغرها من العظمة لمن تدبرها ما في أعظم العالمين، ومن اللطائف لمن تفكر فيها ما في الخلائق أجمعين، ما يخلو صغير ولا كبير من برهان على وآية في، عظمت عن أن أو صف وكبرت عن أن أكيف، حارت الألباب في عظمتي، وكلت الألسن عن تقدير صفتي، ذلك أني أنا الله الذي ليس كمثلي شئ وأنا العلي العظيم.