كل قدم، ومطرف عين، وملمس يد، دلالة ساطعة، وحجة صادعة على أنه تبارك واحد لا يشارك، وجبار لا يقاوم، وعالم لا يجهل، وعزيز لا يذل، وقادر لطيف، وصانع حكيم في صنعته، كان أبدا وحده، ويبقى من بعد وحده، هو الباقي على الحقيقة، وبقاؤه غير مجاز، وهو الغني وغنى غيره صائر إلى فقر وإعواز.
وهو الذي جرت الأفلاك الدائرة، والنجوم السائرة بأمره، واستقلت السماوات واستقرت الأرضون بعظمته، وخضعت الأصوات والأعناق لملكوته وسجدت الاظلال والأشباح لجبروته، باذنه أنارت الشمس والقمر، ونزل الغيث والمطر، وأنبتت الأرض الميتة نباتا حيا، وأخرجت العيدان اليابسة ورقا رطبا، ونبعت الصخور الصلاد (1) ماء نميرا، وأورقت الأشجار الخضرة نارا ضوءا منيرا.
طوبى لمن آمن به، وصدق برسله وكتبه، ووقف عند طاعته، وانتهى عن معصيته، وبؤسي لمن جحد آلاءه، وكفر نعماءه، وحاد أولياءه، وعاضد أعداءه إن أولئك الأقلون الأذلون (2) عليهم في الدنيا سيماء، ولهم في الآخرة مهاد النار، دولتهم إملاء واستدراج، وعاقبة غنائهم احتياج، وموئل سرورهم غم وانزعاج، ومصيرهم في الآخرة إلى جهنم خالدين بلا إخراج، فأما المؤمنون الصديقون، فلهم العزة بالله، والاعتزاء إليه، والقوة بنصره، والتوكل عليه ولهم العاقبة في الدنيا، والفلج على أعدائهم باظفار.
فوعزتي لأصيرن الأرض ولا يعبد عليها سواي، ولا يدان لاله غيري ولاجعلن من نصرني منصورا، ومن كفرني ذليلا مقهورا، وليلحقن الجاحدين لي أعظم الندامة في هذه الدنيا، وفي يوم القيامة، ولأخرجن من ذرية آدم من ينسخ الأديان ويكسر الأوثان، فأنير برهانه، وأؤيد سلطانه، وأوطيه الأعقاب وأملكه الرقاب، فيدين الناس له، طوعا وكرها، وتصديقا وقسرا، هذه