لتريحك، وتتعب لترفدك، وتتقذر لتنظفك، لولا ما ألقيت عليها من المحبة لك لألقتك في أول أذى يلحقها منك، فضلا عن أن تؤثرك في كل حال، ولا تخليك لها من بال، ولو وكلتك إلى وكدك، وجعلت قوتك وقوامك من جهدك، لمت سريعا، وفت ضايعا.
هذه عادتي في الاحسان إليك، والرحمة لك، إلى أن تبلغ أشدك، و بعد ذلك إلى منتهى أجلك، أهيئ لك في كل وقت من عمرك ما فيه صلاح أمرك من زيادة في خلقك، وتيسير لرزقك، أقدر مدة حياتك قدر كفايتك ما لا تتجاوزه وإن أكثرت من التعب، ولا يفوتك وإن قصرت في الطلب، فان ظننت أنك الجالب لرزقك، فما لك تروم أن تزيد فيه ولا تقدر؟ أم مالك تتعب في طلب الشئ فلست تناله؟ ويأتيك غيره عفوا مما لا تتفكر فيه، ولا تتعنى له، أم مالك ترى من هو أشد منك عقلا وأكثر طلبا محروما مجذوذا، ومن هو أضعف منك عقلا وأقل طلبا محروزا مجدودا، أتراك أنت الذي هيأت لمشربك ومطعمك سقاءين (1) في صدر أمك، أم تراك سلطت على نفسك وقت السلامة الداء، أو جلبت لها وقت السقم الشفاء، ألا تنظر إلى الطير التي تغدو خماصا، وتروح بطانا (2)؟ ألها زرع تزرعه أو مال تجمعه، أو كسب تسعى فيه، أو احتيال تتوسم (3) بتعاطيه.
اعلم أيها الغافل أن ذلك كله بتقديري، لا أناد ولا أضاد في تدبيري، ولا يتقص ولا يزاد من تقديري، ذلك أني أنا الله الرحيم الحكيم.
الصحيفة الرابعة صحيفة المعرفة من عرف الخلق عرف الخالق، ومن عرف الرزق عرف الرازق، ومن عرف نفسه عرف ربه، ومن خلص إيمانه أمن دينه، كيف تخفى معرفة الله؟ والدلائل واضحة، والبراهين على وحدانيته لائحة، عجبا لمن غني عن الله؟ وفي موضع