بما يقاربه، يوجب كونه معجزا.
قلنا لهم: لا يصح ولو اتفق لكان دليلا على صدقه.
فان قيل: لو كان القرآن معجزا لكان نبيا مبعوثا إلى العرب والعجم، وكان يجب أن يعلم سائر الناس إعجاز القرآن من حيث الفصاحة، والعجم لا يمكنهم ذلك.
قلنا: هذا لا يصح لان الفصاحة ليست بمقصورة على بعض اللغات، يمكنهم أن يعرفوا ذلك على سبيل الجملة، إذ أمكن أن يعلموا بالاخبار المتواترة أن محمدا كان ظهر عليه القرآن، وتحدى العرب، وعجزوا أن يأتوا بمثله، فيجب أن يكون القرآن معجزا دالا على نبوته، والعرب يعرفون ذلك على التفصيل لان القرآن نزل بلغتهم، والعلم به على سبيل الجملة في هذا الباب كاف.
وإنما قلنا إنه معجز من حيث إنه ناقض العادة لان العادة لم يجر أن يتعلم واحد الفصاحة ثم يبرز عليهم بحيث لم يمكنهم أن يأتوا بما يقاربه، فإذا أتى به كذلك كان معجزا.
وأما القائلون بأن إعجازه بالفصاحة والنظم معا، قالوا: إن الذي يدل على أن التحدي كان بالفصاحة والنظم معا أنا رأينا النبي عليه السلام أسل التحدي إرسالا، وأطلقه إطلاقا، من غير تخصيص يحصره، فقال مخبرا عن ربه: " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " (1) وقال: " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله " (2).
فترك القوم استفهامه عن مراده بالتحدي: هل أراد مثله في الفصاحة دون النظم، أو فيهما جميعا، أو في غيرهما؟ فعل من سبق الفهم إلى قلبه، وزال الريب عنه، لأنهم لو ارتابوا لسألوه [ولو شكوا لاستفهموه] ولم يجز ذلك على هذا إلا والتحدي واقع بحسب عهدهم وعادتهم، وقد علمنا أن عادتهم جارية في التحدي