المعجز لا يحتاج إلى الآلات بخلاف الحيلة فإنها تحتاج إلى الآلات، ومنها أن المعجز إنما يظهر عند من يكون من أهل ذلك الباب ويروج عليهم، والحيلة إنما يظهر عند العوام والذين لا يكونون من أهل ذلك الباب، ويروج على الجهال ومن قال من مخالفينا: إن محمدا لم يكن نبيا لأنه لم يكن معه معجز، فالكلام عليه أن نقول إنا نعلم ضرورة أنه ادعي النبوة كما نعلم أنه ظهر بمكة، وهاجر إلى المدينة، وتحدى العرب بالقرآن، وادعى مزية القرآن على كلامهم وهذا يكون تحديا من جهة المعنى، وعلموا أن شأنه يبطل بمعارضته، فلم يأتوا بها لضعفهم، وعجزهم كان لانتقاض العادة بالقرآن فأوجب انتقاض العادة كونه معجزا دالا على نبوته.
فان قيل: إنما لم يعارضوه لكونهم غبايا جهالا، لا لعجزهم.
قلنا: المعارضات كانت مسلوكة فيما بينهم، فامرؤ القيس عارض علقمة بن عبدة بن الطبيب وناقضه، وطريقة المعارضة لا تخفى على دهاة العرب مع ذكائها.
فان قيل: أخطأوا طريق المعارضة، كما أخطأوا في عبادة الأصنام، أو لان القرآن يشتمل على الأقاقيص وهم لم يكونوا من أهله.
قلنا في الأول فرق بينهما، لان عبادة الأصنام طريقها الدلالة، وما كان طريقه الدلالة يجوز فيه الخطأ، بخلاف مسألتنا لان طريقة التحدي هي الضرورة لا يجوز فيها الخطأ، وأما الثاني ففي القرآن ما ليس من الأقاصيص، فوجب أن يأتوا بمثله فيعارضوه، على أنهم طلبوا أخبار رستم واسفنديار، وحاولوا أن يجعلوه معارضة للقرآن، واليهود والنصارى كانوا أهل الأقاصيص، وكان من الواجب أن يتعرفوها منهم، ويجعلوها معارضة.
فان قيل: لا يجوز أن يكون القرآن معجزا دالا على نبوته من حيث إنه ناقض العادة، فلا يمتنع أن يكون العرب أفصح الناس، ومنهم جماعة أفصح العرب، وفي الجماعة واحد هو أفصح منهم، وإذا أتى بكلام لا يمكنهم أن يأتوا بمثله ولا بما يقاربه، فإذا أتى بكلام مختص بالفصاحة لا يمكنهم أن يأتوا بمثله ولا