ومنها أن يكون ناقضا للعادة لأنه لو فعل معتادا لم يدل على صدقه، كطلوع الشمس من المشرق.
ومنها أن يحدث عقيب دعوى المدعي أو جاريا مجرى ذلك. والذي يجري مجراه أن يدعي النبوة ويظهر عليه معجزا، ثم يشيع دعواه في الناس ثم يظهر معجز من غير تجديد دعوى لذلك، لأنه إذا لم يظهر كذلك لم يعلم تعلقه بالدعوى فلا يعلم أنه تصديق له في دعواه.
ومنها أن يظهر ذلك في زمان التكليف لان أشراط الساعة ينتقض بها عادته تعالى، ولا يدل على صدق مدع.
ثم إن القرآن معجز، لأنه صلى الله عليه وآله تحدى العرب بمثله وهم النهاية في البلاغة، وتوفرت دواعيهم إلى الاتيان بما تحداهم به، ولم يكن لهم صارف عنه ولا مانع منه، ولم يأتوا به، فعلمنا أنهم عجزوا عن الاتيان بمثله.
وإنما قلنا إنه عليه السلام صلى الله عليه وآله تحداهم به لان القرآن نفسه يتضمن التحدي كقوله تعالى: " فأتوا بسورة من مثله " ومعلوم أن العرب في زمانه وبعده كانوا يتبارون بالبلاغة، ويفخرون بالفصاحة، وكانت لهم مجامع يعرضون فيها شعرهم، وحضر زمانه من يعد في الطبقة الأولى كالأعشى ولبيد وطرفة، وزمانه أوسط الأزمنة في استعمال المستأنس من كلام العرب دون الغريب الوحشي الثقيل على اللسان فصح أنهم كانوا الغاية في الفصاحة، وإنما قلنا اشتدت دواعيهم إلى الاتيان بمثله فإنه تحداهم ثم قرعهم بالعجز عنه، بقوله تعالى: " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " وقوله تعالى: " فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ".
فان قيل: لعل صارفهم هو قلة احتفالهم به أو بالقرآن لانحطاطه في البلاغة قلنا لا شبهة أنه صلى الله عليه وآله كان من أوسطهم في النسب [وفي الخصال المحمودة] حتى سموه الأمين، الصدوق، وكيف لا يحتفلون به وهم كانوا يستعظمون القرآن حتى شهروه بالسحر، ومنعوا الناس من استماعه، لئلا يأخذ بمجامع قلوب السامعين، فكيف