إعادة ذكره في هذا الباب ليستدل على أن التأليف على خلاف ما أنزل الله جل وعز، لأن العدة في الجاهلية كانت سنة فأنزل الله في ذلك قرآنا في العلة التي ذكرناها في باب الناسخ والمنسوخ وأقرهم عليها ثم نسخ بعد ذلك فأنزل آية أربعة أشهر وعشرا والآيتان جميعا في سورة البقرة في التأليف الذي في أيدي الناس فيما يقرؤونه أولا الناسخة وهي الآية التي ذكرها الله قوله: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " ثم بعد هذا بنحو من عشر آيات تجئ الآية المنسوخة قوله: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج " (1) فعلمنا أن هذا التأليف على خلاف ما أنزل الله جل وعز وإنما كان يجب أن يكون المتقدم في القراءة أولا الآية المنسوخة التي ذكر فيها أن العدة متاعا إلى الحول غير إخراج، ثم يقرأ بعد هذه الآية الناسخة التي ذكر فيها أنه قد جعل العدة أربعة أشهر وعشرا فقدموا في التأليف الناسخ على المنسوخ.
ومثله في سورة الممتحنة في الآية التي أنزلها الله في غزوة الحديبية وكان بين فتح مكة والحديبية ثلاث سنين، وذلك أن الحديبية كانت في سنة ست من الهجرة، وفتح مكة في سنة ثمان من الهجرة، فالذي نزل في سنة ست قد جعل في آخر السورة والتي نزلت في سنة ثماني في أول السورة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما كان في غزوة الحديبية شرط لقريش في الصلح الذي وقع بينه وبينهم أن يرد إليهم كل من جاء من الرجال على أن يكون الاسلام ظاهرا بمكة لا يؤذى أحد من المسلمين، ولم يقع في النساء شرط وكان رسول الله صلى الله عليه وآله على هذا يرد إليهم كل من جاء من الرجال إلى أن جاءه رجل يكنى أبا بصير.
فبعثت قريش رجلين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وكتبوا إليه يسألونه بأرحامهم أن يرد إليهم أبا بصير، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ارجع إلى القوم فقال: يا رسول الله تردني إلى المشركين يعينوني ويعذبوني وقد آمنت بالله وصدقت برسول الله؟