من قال بالصرفة لا ينكر مزية القرآن على غيره بفصاحته، وإنما يقول: تلك المزية ليست مما تخرق العادة، وتبلغ حد الاعجاز، فليس في قبول الفصحاء وشهادتهم بفصاحة القرآن ما يوجب القول ببطلان الصرفة، وأما دخولهم في الاسلام فلامر بهرهم وأعجزهم، وأي شئ أبلغ من الصرفة في ذلك.
وأما القائلون بأن إعجازه الفصاحة قالوا: إن الله جعل معجزة كل نبي من جنس ما يتعاطا قومه، ألا ترى أن في زمان موسى عليه السلام لما كان الغالب على قومه السحر، جعل الله معجزته من ذلك القبيل، فأظهر على يده قلب العصا حية واليد البيضا، فعلم أولئك الأقوام بأن ذلك مما لا يتعلق بالسحر، فآمنوا، وكذلك زمان عيسى عليه السلام لما كان الغالب على قومه الطب جعل الله معجزته من ذلك القبيل فأظهر على يده إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، فعلم أولئك الأقوام أن ذلك مما لا يوصل إليه بالطب، فآمنوا به.
وكذلك لما كان زمن محمد صلى الله عليه وآله الغالب على قومه الفصاحة والبلاغة، حتى كانوا لا يتفاخرون بشئ كتفاخرهم بها، جعل الله معجزته من ذلك القبيل فأظهر على يده هذا القرآن، وعلم الفصحاء منهم أن ذلك ليس من كلام البشر، فآمنوا به، ولهذا جاء المخصوصون فآمنوا برسول الله كالأعشى (1) مدح رسول الله صلى الله عليه وآله