الفصيحة، وألفاظهم المنثورة، فيقابلوه، ويدعوا أنه مما ثل لفصاحته أو أزيد عليها، لا سيما وأكثر من يذهب إلى هذه الطريقة يدعي أن التحدي وقع بالفصاحة دون النظم وغيره من المعاني المدعاة في هذا الموضع.
فسواء حصلت المعارضة بمنظوم الكلام أو بمنثوره فمن هذا الذي كان يكون الحكم في هذه الدعوى وجماعة الفصحاء أو جمهورهم كانوا حرب رسول الله صلى الله عليه وآله ومن أهل الخلاف عليه والرد لدعوته، والصدود عن محجته، لا سيما في بدو الامر وأوله، وقبل أوان استقرار الحجة، وظهور الدعوة، وكثرة عدد الموافقين وتظافر الأنصار والمهاجرين.
ولا نعمد إلا على أن هذه الدعوى لو حصلت لردها بالتكذيب من كان في حرب النبي صلى الله عليه وآله من الفصحاء، لكن كان اللبس يحصل والشبهة تقع لكل من ليس من أهل المعرفة من المستجيبين الدعوة والمنحرفين عنها من العرب.
ثم لطوايف الناس جميعا كالفرس والروم والترك ومن ماثلهم ممن لاحظ له في العربية عند تقابل الدعوى في وقع المعارضة موقعها، وتعارض الأقوال من الإجابة بها مكانها، ما يتأكد الشبهة، وتعظم المحنة، ويرتفع الطريق إلى إصابة الحق، لان الناظر إذا رأى جل أصحاب الفصاحة وأكثرهم يدعي وقوع المعارضة والمكافأة والمماثلة، وقوما منهم كلهم ينكر ذلك ويدفعه، كان أحسن حاله أن يشك في القولين، ويجوز في كل واحد منهما الصدق والكذب، فأي شئ يبقى من المعجز بعد هذا؟ والاعجاز لا يتم إلا بالقطع على تعذر المعارضة على القوم وقصورهم عن المعارضة والمقاربة، والتعذر لا يحصل إلا بعد حصول العلم بأن المعارضة لم تقع، مع توفر الدواعي وقوة الأسباب، وكانت حينئذ لا تقع الاستجابة من عاقل، ولا المؤازرة من صديق.
وليس يحجز العرب عما ذكرناه ورع ولا حياء، لأنا وجدناهم لم يرعووا عن السب والهجاء، ولم يستحيوا من القذف والافتراء، وليس في ذلك ما يكون حجة ولا شبهة، بل هو كاشف عن شدة عداوتهم وأن الحيرة قد بلغت بهم إلى استحسان