وأما قولهم إن المقرين بمعجزات الرسل لم يمتحنوا قوى الخلق إلى آخر الكلام، إنه يقال لهم: ولم يمتحن أحد من الجاحدين للرسل طبايع العالم ولا عرفوا ما فيه فيعلموا أن جميع حيوانه يموت لعل حيوانا لا يموت، يبقى على الدهر أبدا لا يتغير، ولعل في العالم نارا لا تحرق إذا لو كان لم يمتحن قوى العالم ولا أحاط علمنا بخواصه وسرائره، لزمه قلب أكثر الحقائق وبطلانها.
باب في مقالات المنكرين للنبوات والإمامة عن قبل الله وجواباتها وبطلانها:
اعلم أن المنكرين للنبوات فرقتان: ملحدة ودهرية، وموحدة البراهمة والفلاسفة عندنا من جملة الدهرية والملحدة أيضا، وقد اجتمعوا على إبطال النبوات، وإنكار المعجزات، وإحالتها تصريحا وتلويحا، وزعمت أن تصحيح أمرها يؤدي إلى نقض وجوب الطبايع، وقد استقر أمرها على وجه لا يصح انتقاضها، وكلهم يطعنون في معجزات الأنبياء وأوصيائهم، حتى قالوا: في القرآن تناقض وأخبار زعموا مخبراتها على اختلافها.
منها قوله: " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " (1) ثم وجدنا كم تقولون أن يحيى بن زكريا قتله ملك من الملوك، ونشر رأس والده زكريا بالمنشار، معما لا يحصى من الخلق من المؤمنين الذين قتلهم الكفار.
وفي القرآن أيضا " إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله " (2) وقد ينكح كثير فيبقى فقيرا أو يزداد فقره، وقد قال لنبيه: " والله يعصمك من الناس " (3) ثم وجدنا كسرت رباعيته وشج رأسه.
وفيه أيضا " ادعوني أستجب لكم " (4) وإن الخلق يدعونه دائما فلا يجيبهم وفي القرآن " فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " (5) وهذا دليل على