وإن لم يسبق ذكره لدلالة الكلام عليه، وقيل: للعلم أو القرآن أو التحويل يعني تحويل القبلة " كما يعرفون أبنائهم " يشهد للأول أي يعرفونه بأوصافه كمعرفتهم أبناءهم: ولا يلتبسون عليهم بغيرهم " وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون " تخصيص لمن عاند واستثناء لمن آمن " الحق من ربك " كلام مستأنف، " والحق " إما مبتدأ خبره " من ربك " واللام للعهد والإشارة إلى ما عليه الرسول أو الحق الذي يكتمونه، أو للجنس، والمعنى أن الحق ما ثبت أنه من الله كالذي أنت عليه، لا ما لم يثبت كالذي عليه أهل الكتاب، وإما خبر مبتدأ محذوف أي هو الحق و " من ربك " حال أو خبر بعد خبر، وقرئ بالنصب على أنه بدل من الأول أو مفعول يعلمون " فلا تكونن من الممترين " الشاكين في أنه من ربك، أو في كتمانهم الحق عالمين به، وليس المراد به نهي رسول الله صلى الله عليه وآله عن الشك فيه، لأنه غير متوقع منه، وليس بقصد واختيار، بل إما تحقيق الامر وأنه بحيث لا يشك فيه ناظر، أو أمر الأمة باكتساب المعارف المزيحة للشك على الوجه الأبلغ (1).
قوله " والولاية " أي يعرفون محمدا بالنبوة وأوصياءهم بالإمامة والولاية وإنما اكتفى بذكر محمد صلى الله عليه وآله لان معرفته على وجه الكمال يستلزم معرفة أوصيائه أو لأنه الأصل والعمدة " أنك الرسول إليهم " بيان للحق وفي البصائر " الحق من ربك: الرسول من الله إليهم بالحق " والظاهر أن قراءتهم عليهم السلام كان على النصب " ابتلاهم الله بذلك " أي بسبب ذلك الجحود وقوله " فسلبهم " بيان للابتلاء.
وأقول: يحتمل أن يكون الغرض من ذكر الآية بيان سلب روح الايمان من هؤلاء بقوله تعالى " فلا تكونن من الممترين " فان الظاهر أن هذا تعريض لهم بأنهم من الشاكين على أحد وجهين: أحدهما أنه لما جحدوا ما عرفوا سلب الله منهم التوفيق واللطف، فصاروا شاكين ومع الشك لا يبقى الايمان، فسلب منهم روحه، لأنه لا يكون مع عدم الايمان، أو سلب منهم أولا الروح المقوي للايمان