عدة الداعي - ابن فهد الحلي - الصفحة ١٠٩
يعملها بيده.
واما سيد البشر محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد عرفت ما كان من لباسه وطعامه (1).
وروى أنه (ص) اصابه يوما الجوع فوضع صخرة على بطنه ثم قال (ص): الا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين لنفسه وهو لها مكرم الا رب نفس جايعة عارية في الدنيا طاعمة في الآخرة ناعمة يوم القيامة، الإرب نفس كاسية ناعمة في الدنيا جايعة عاوية يوم القيامة الا رب متخوض متنعم فيما أفاء الله على رسوله ماله في الآخرة من خلاق الا ان عمل أهل الجنة حزنة (2) بربوة (3) الا ان عمل أهل النار سهلة (4) بسهوة، الا رب شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا يوم القيامة.
واما على سيد الوصيين وتاج العارفين ووصى رسول رب العالمين عليه السلام فحاله في الزهد والتقشف أظهر من أن يحكى (5).
قال سويد بن غفلة: دخلت على أمير المؤمنين (ع) بعد ما بويع بالخلافة وهو جالس على حصير صغير ليس في البيت غيره فقلت: يا أمير المؤمنين بيدك بيت المال ولست أرى في بيتك شيئا مما يحتاج إليه البيت فقال (ع): يا بن غفلة ان البيت (العاقل) لا يتأثث في دار النقلة، ولنا دارا من قد نقلنا إليها خير متاعنا، وانا عن قليل

(1) وفى (لي) وقال أمير المؤمنين (ع) لما قدم عدى بن حاتم إلى النبي (ص) ادخله النبي بيته ولم يكن في البيت غير خصفة ووسادة أديم فطرحها رسول الله (ص) لعد ى، وخرج من الدنيا ولم يضع لبنة على لبنة، ولا حجرا على حجر، ولم يأكل خبز البر قط ولا شبع من خبز شعير قط.
(2) الحزنة بالضم: الجبل الغليظ (أقرب).
(3) الربوة: الرابية وهي ما ارتفع من الأرض (أقرب).
(4) السهل من الأرض: ضد الحزن. (أقرب).
(5) وفى (لي) وقال علي بن الحسين (ع) سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: حدثني أمير المؤمنين (ع) قال إني كنت بفدك في بعض حيطانها وقد صارت لفاطمة عليها السلام، فإذا انا بامرأة قد قحمت علي وفى يدي مسحاة وانا اعمل بها فلما نظرت إليها طار قلبي مما تداخلني من جمالها فشبهتها بثبينة بنت عامر الجهمي، وكانت من أجمل نساء قريش فقالت: يا بن أبي طالب هل لك ان تتزوجني فأغنيك عن هذه المسحاة؟ وأدلك على خزائن الأرض فيكون لك الملك ما بقيت ولعقبك من بعدك فقال لها: من أنت؟ حتى أخطبك من أهلك قالت: انا الدنيا قال لها: فارجعي واطلبي زوجا غيري، فأقبلت على مسحاتي وأنشأت أقول:
لقد خاب من غرته دنيا دنية * وما هي ان غرت قروبا بنائل أتتنا على زي العزيز ثبينة * وزينتها في مثل تلك الشمائل فقلت لها غرى سواي فإنني * عروف من الدنيا ولست بجاهل وما انا والدنيا فان محمدا * أحل صريعا بين تلك الجنادل وهيهات امني بالنكوز وودها * وأموال قارون وملك القبائل أليس جميعا للفناء مصيرنا؟ * ويطلب من خزانها بالطوائل فغري سواي أنني غير راغب * بما فيك من عز وملك ونائل فقد قنعت نفسي بما قد رزقته * فشأنك يا دنيا وأهل الغوائل فانى أخاف الله يوم لقائه * وأخشى عذابا دائما غير زائل فخرج من الدنيا وليس في عنقه تبعة لاحد حتى لقى الله تعالى محمودا غير ملوم ولا مذموم.
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»
الفهرست