فوهب أمير المؤمنين عليه السلام نفسه لله وشراها من الله في طاعته، وبذلها دون نبيه عليه وآله السلام لينجو به من كيد الأعداء، وتتم له بذلك السلامة والبقاء وينتظم له به الفرض في الدعاء إلى الملة وإقامة الدين وإظهار الشريعة. فبات عليه السلام على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله مستترا (1) بإزاره، وجاءه القوم الذين تمالؤوا (2) على قتله فأحدقوا به وعليهم السلاح، يرصدون طلوع الفجر ليقتلوه ظاهرا، فيذهب دمه فرغا (3) بمشاهدة بني هاشم قاتليه من جميع القبائل، ولا يتم لهم الأخذ بثاره منهم، لاشتراك الجماعة في دمه، وقعود كل قبيلة عن قتال رهطه ومباينة أهله.
فكان ذلك سبب نجاة رسول الله صلى الله عليه وآله وحفظ دمه، وبقائه حتى صدع بأمر ربه، ولولا أمير المؤمنين عليه السلام وما فعله من ذلك، لما تم لنبي الله صلى الله عليه وآله التبليغ والأداء، ولا استدام له العمر والبقاء، ولظفر به الحسدة والأعداء.
فلما أصبح القوم وأرادوا الفتك به عليه السلام ثار إليهم، فتفرقوا عنه حين عرفوه، وانصرفوا عنه وقد ضلت حيلهم (4) في النبي صلى الله عليه وآله، وانتقض ما بنوه من التدبير في قتله، وخابت ظنونهم، وبطلت آمالهم، فكان بذلك انتظام الإيمان، وإرغام الشيطان، وخذلان أهل الكفر والعدوان.