الملوك ادعو الألوهية وظلموا ظلما عظيما إذ ذكر الموت زاجر لهم في الجملة وفيه أيضا تحريك على الرجوع إليه.
(وملكي دائم قائم لا يزول) لا يزول إما حال عن الفاعلين على سبيل التنازل أو خبر ثالث ووجه العدول إلى الفعل لإفادة الاستمرار الأبدي وفائدته ما مر سابقا وهي صرف الدوام والقيام عن توهم المجاز إلى الحقيقة، والمراد بقيام ملكه عدم عروض الاضطراب والتغير فيه بوجه ما وهذا غير مستفاد من دوامه إذ دوام الشيء لا ينافي وقوع الاضطراب فيه في الجملة والمراد بملكه سلطنته وقوته وقدرته على جميع الممكنات وهو بهذا المعنى ثابت له قبل وجودها وبعد عدمها كما مر في كتاب التوحيد.
(ولا يخفى على شيء في الأرض ولا في السماء) صغيرا كان أم كبيرا جليا كان أم خفيا ظاهرا كان أم باطنا، وفيه ترغيب في فعل الخيرات وترك المنهيات لأن العلم بأنه عالم بجميع الأشياء يكون داعيا للعبد إلى الإتيان بجميع ما كلف به على وجه الكمال (وكيف يخفى على ما مني مبتدؤه) أي ابتداؤه والاستفهام للإنكار والأمر في فعله تعالى واضح وكذا في فعل العباد لأن أكثر مقدماته من فعله تعالى كالعلم به والقوة والقدرة عليه والجزء الأخير من علته وهو الكف أو عدمه وإن كان فعل العبد ولكن الاقتدار عليه من فعله تعالى فوجب أن يكون له تعالى علم بذلك الفعل والترك، وفيه رد على من أثبت له العلم الإجمالي وعلى من نفى عنه العلم بالجزئيات وإن شئت زيادة توضيح فارجع إلى ما ذكرنا في أوايل كتاب التوحيد (وكيف لا يكون همك فيما عندي) من السعادة الأبدية والمثوبات الأخروية بفعل أسبابها (وإلي ترجع لا محالة) يقال: لا محالة منه بفتح الميم أي لابد ولا فراغ منه وكيف لإنكار النفي والتوبيخ فيه لأن العاقل القاصد لمنزل يسكن فيه أبدا يهييء جميع ما يحتاج إليه في ذلك المنزل من أسباب العيش ويجتنب عن جميع ما يضره فيه ومن ترك الأول وفعل الثاني كان محلا للتوبيخ (يا موسى اجعلني حرزك) أي ملجأك الدافع عنك البليات والمكروهات بالدعاء والتوسل قبل نزولها وبعده، وأصل الحرز بالكسر العوذة والموضع الحصين يقال: هذا حرز حريز أي حصن حصين متين حافظ لمن دخله.
(وضع عندي كنزك من الصالحات) المفروضات والمندوبات من الماليات وغيرها، وسماها كنزا لأنها مذخورة ليوم الحاجة كالكنز (خفني ولا تخف غيري إلي المصير) الخوف من عقوبة الله يقتضي الفرار من أسبابها لأن الخائف من الشيء يفر منه ومما يفضي إليه.
(يا موسى ارحم من أسفل منك في الخلق) بجلب الخير له ودفع الضر عنه (ولا تحسد من هو فوقك) مالا وحالا بتمني زوال نعمته عنه (فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) الحاسد عدو المنعم، منكر لمصلحته وحكمته، وقائل بالجور في قسمته، وكافر بنعمته الواصلة إليه