لأن ثوابه الأبدي جزيل أو لأنه تعالى ينميه ويجعله عظيما أو لأنه يعطي به أضعافا مضاعفة كما نطقت بجميع ذلك الروايات (وما أريد به غيري) من باب الاشتراك أو الانفراد (فقليل كثيره) لعل المقصود من الفقرتين صريحا نفي القلة في الأول والكثرة في الثاني وضمنا حصر الصحة والقبول في الأول ونفيهما عن الثاني بناء على مقدمة ضرورية ومقدمة شرعية أما الأولى فهي أن كل ما لزم من وجوده عدمه أو وجود ضده المستلزم لعدمه كان محالا وعلى هذا كانت القلة في الأول والكثرة في الثاني محالين إذ لزم من فرض الأولى ضدها وهو الكثرة ومن فرض الثانية ضدها وهو القلة فلا توجد القلة في الأول والكثرة في الثاني، وأما الثانية فلأن العمل الواحد الصحيح المقبول كثير فسلب الكثرة عن الأعمال المتعددة إنما هو لعدم صحتها وقبولها (وإن أصلح أيامك هو أمامك) وهو يوم القيامة أو يوم حضور الموت وهو يوم خروج المؤمن من سجن الدنيا إلى الروح والراحة (فانظر أي يوم هو) لتعرف شدته وعظمته المميزة له عن سائر الأيام (فأعد له الجواب فإنك موقوف به) أي بسبب الجواب أو في ذلك اليوم (ومسؤول) عما فعلت من صغير وكبير كما دلت عليه الآيات والروايات وأمره بإعداد الجواب أمر بضبطه جميع حركاته النفسانية والبدنية ومكاسب المال ومصارف ووزنه بميزان الشرع باسقاط الزائد وإتمام الناقص فإنه إذا فعل ذلك في أيام عمره وسئل يوم القيامة عما صنع كان جوابه النافع حاضرا وإن كان خلاف ذلك كان جوابه صعبا والخروج عن عهدة الحساب مشكل وأمره خطير.
(وخذ موعظتك من الدهر وأهله) لعل المراد من الدهر هنا عمر كل شخص وهو يذهب مع أهله ويبقى عليه ما اكتسبه من خير وشر وعلل الأخذ أو وعظ الدهر بقوله (فإن الدهر طويله قصير وقصيره طويل) لعل المراد أن طويله قصير في نفس الأمر لسرعة زواله ولأنه الذي أنت فيه وقصيره طويل باعتبار طول الحساب والجزاء ولا يخفى لطف هذه العبارة لإيهام حمل الشيء على ضده ظاهرا مع إفادة معنى لطيف والغرض منه هو الحث على العمل للآخرة وترك الركون إلى البقاء فيه (وكل شيء فإن) فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لكي يكون أطمع لك في الآخرة لا محالة «كل شيء فان» إما مرفوعان على الابتداء والخبر معطوفان على محل اسم إن وخبرها كما في قولك: إن زيدا قائم وعمرو قاعدا والأول منصوب والثاني مرفوع عطفا على اسم إن وخبرها وهو على اليقين كالتفسير والتأكيد للسابق وما هو المقصود منه فإن العلم بفناء كل شيء من الدهر وما يتعلق به يقتضي تركه وترك تعلق القلب به ويتفرع منها الاجتهاد في العمل الخالص للآخرة وهو العمل الذي ترى ثوابه بعين البصيرة وتتيقن بحصوله فيها وثواب هذا العمل هو الذي يتعلق الطمع في حصوله في الآخرة قطعا، وأما العمل الغير الخالص فالطمع في حصول ثوابه غير متحقق بل غير معقول لدلالة الأخبار على ذلك (فإن ما بقي من الدنيا كما ولى