(يا موسى نافس في الخير أهله فإن الخير كاسمه) نافسه في الأمر شاركه في الرغبة فيه على وجه المباراة والمغالبة والخير اسم جامع لكل ما هو وسيلة للقرب منه تعالى ولابد من الرغبة فيه والاجتهاد في طلبه لأنه حسن خيرة من الله تعالى كاسمه من بين الأسماء والواضع لاحظ كمال المناسبة بينهما (ودع الشر لكل مفتون) به وبالدنيا على قدر ما تعلق به العلم الأزلي وجرى عليه القضاء الإلهي كما قال (صلى الله عليه وآله) «كل ميسر لما خلق له».
(يا موسى اجعل لسانك من وراء قلبك تسلم) أشار إلى أنه ينبغي عند إرادة القول من التثبت والتأمل فيما يريد النطق به وفيما لا ينبغي من القول بعد مراجعة الفكر وإلى أن غايته هي سلامته في نفسه وماله وسلامة الغير أيضا فيهما عن الآفات إذ مفاسد الكلام أكثر من أن تحصى وقد يفسد بكلام واحد البلاد والعباد وإلى مضمون ذلك أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله «وإن لسان المؤمن من وراء قلبه وإن قلب المنافق من وراء لسانه» وقرن الأول بالإيمان للترغيب فيه والثاني بالنفاق للتنفير عنه (وأكثر ذكري بالليل والنهار تغنم) في الدنيا بشرح الصدر وصلاح الحال وفي الآخرة بسعادة القرب وأشرف المآل ولم يذكر ما يغنم به للدلالة على التعميم والتعظيم.
(ولا تتبع الخطايا فتندم) وقت الموت وبعده لمشاهدة سوء خاتمتها، ولا تتبع من الاتباع بشد التاء أو تخفيفها أو من التبع يقال: تبعه كفرح تبعا مشى خلفه ومر به فمضى معه (فإن الخطايا موعدها النار) تعليل للفعلين بأن الخطايا تجر صاحبها إلى النار سواء قيل بعرضيتها أو بتجسمها وصيرورتها حيات وعقارب ونحوها على اختلاف القولين (يا موسى اطب الكلام لأهل الترك للذنوب) وبشرهم بما يعملون ولا تقل لهم ما يكرهون، ويقرب منه قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «ولا تضعوا من رفعته التقوى» وصى عليه السلام برعاية حاله وترك أذاه إما بقول كرهه والاستهزاء به أو بفعل كضربه أو فعل ما يستلزم إهانته أو ترك قول أو فعل يستلزم ذلك (وكن لهم جليسا) ترغيب في مجالسة الصالحين لأن مجالستهم نافعة في الدنيا والدين والروايات فيه كثيرة (واتخذهم لغيبك إخوانا) يدعون لك في ظهر الغيب ويذكرونك بخير ويدفعون عنك سوءا ويحملون ثقل أهلك وعيالك وفي بعض النسخ «لعيبك» بالعين المهملة أي لستره أو عفوه أو إصلاحه «إخوانا» إما بدل عن ضمير الجمع أو حال عنه (وجد معهم يجدون معك) أي جد معهم في حوائجهم يجدون معك في حوائجك أو الأعم منها ومن الأمور الدينية والجد الإجتهاد في الأمر والسعي فيه.
(يا موسى الموت لاقيك لا محالة) فيه تنفير عن الميل إلى شهوات النفس ولذات الدنيا فإن من علم أنه يموت وينقل إلى منزل وحشة وبيت حفرة ومسكن غربة سهل في عينه الدنيا وما فيها ثم رغب في العمل لما بعد الموت بقوله: (فتزود زاد من هو على ما يتزود وارد على اليقين) المراد بالزاد ما ينفع في الآخرة مثل التقوى وغيرها (يا موسى ما أريد به وجهي فكثير قليله) إما