الممكنات بلسان الحال حيث تدل بإمكانها وحدوثها وافتقارها على وجود الصانع القديم الواجب بالذات الغني عن الغير من جميع الجهات المنزه عن الاتصاف بصفات الممكنات تحقيقا للفرق بين الصانع والمصنوع وأن تسبيحهم هذا إنما يفقهه من له عقل صحيح ونظر صريح لا غيرهم وان الخطاب في قوله تعالى: (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) لهذا الغير.
هذا، ويمكن أن يقال: لجميع الممكنات تسبيح بلسان القال أيضا ولا يبعد إعطاء هذه القدرة لهم من القدرة القاهرة الإلهية ويؤيده نطق الأحجار والحصا للنبي والوصي عليهما السلام وسماعه بعض الحاضرين ونطق الجوارح يوم القيامة كما نطق به القرآن المبين وظاهر قوله تعالى وجلا وتسبيحهم مع عدم الحاجة حينئذ إلى تخصيص الخطاب في قوله (ولكن لا تفقهون) بمن ليس له نظر صحيح ولا إلى حمل التسبيح في الآية على الحقيقة والمجاز أو على القدر المشترك بينهما والله يعلم (والملائكة من مخافتي مشفقون) لعل المراد أنهم من أجل مشاهدة العظمة والمهابة أو من أجل الخوف الحاصل لهم من مشاهدتهما مشفقون من نزول العذاب عليهم بسبب التقصير فيما أمروا به أو من زوال كمالاتهم المحتاجة إليه أو من سقوط منزلتهم لديه والفرق بين الوجهين أن مشاهدة العظمة سبب للإشفاق في الأول والخوف الحاصل منها سبب له في الثاني وفي الأول تجوز باعتبار أنه أريد بالمخافة وهي الخوف من مشاهدة العظمة نفس تلك المشاهدة مجازا وبه فسر بعض المفسرين قوله تعالى في وصف الملائكة: (هم من خشية ربهم مشفقون) نقل عن بعض أهل العرفان أن لله تعالى ملائكة حول العرش يسمون المخلصين تجري أعينهم مثل الأنهار من خشية الله فيقول لهم الرب جل جلاله: ملائكتي ما الذي يخيفكم، فيقولون: ربنا لو أن أهل الأرض اطلعوا من عزتك وعظمتك على ما اطلعنا عليه لما ساغوا طعاما ولا شرابا ولا انبسطوا في فرشهم ولخرجوا إلى الصحراء يخورون كما يخور الثور (والأرض تسبح لي طمعا) في إحيائها بإرسال القطرات وإنزال البركات وفي نسبة الطمع إلى الأرض الموضوعة والوجل إلى السماء المرفوعة رعاية للمناسبة.
(وكل الخلق يسبحون لي داخرين) متذللين تحت ظل الحاجة إلى كمال قدرته صاغرين في الخشوع بين يدي رحمته.
والتسبيح هنا محمول على القدر المشترك بين النطق بالتنزيه المطلق والدلالة عليه لإسناده إلى ما يتصور منه النطق والى ما لا يتصور منه أو عليهما عند من جوز إطلاق اللفظ على معنييه وعلى الاحتمال المذكور سابقا لا حاجة إلى شيء من التوجهين وفي نسبة التسبيح إلى جميع المخلوقين تحريك للناس أجمعين إليه لما أعطاهم من قلب صحيح ولسان فصيح وزيادة الإحسان والإنعام والإكمال توجب زيادة التسبيح والتقديس والإجلال (ثم عليك بالصلاة الصلاة) التكرير للتعظيم