وأمرهم بالسؤال من فضله ورحمته ورغبهم فيه بأنه ذو الفضل العظيم، فوجب عليهم أن يكفوا عن مخالفته ويشغلوا بطاعته أداء لشكر نعمته (يا موسى كهف الخاطئين) لأنهم رجعوا من الباطل إلى الحق واهتدوا إلى الإيمان وتخلصوا عن يد الشيطان واستظلوا في ظل الأمن والأمان بإرشاده وهدايته وحسن عنايته ورعايته.
(وجليس المضطرين ومستغفر للمذنبين) المراد بالجلوس معناه الحقيقي أو هو كناية عن السعي في دفع شدتهم واضطرارهم والاهتمام برفع حاجاتهم وافتقارهم وفي مدحه عليه السلام بهذه الأوصاف حث لعلماء المؤمنين وصلحائهم على الأسوة به (إنك مني بالمكان الرضي) الرضي فعيل بمعنى مفعول وهو مكان النبوة والرسالة والقرب والسعادة ورئاسة الدارين (فادعني بالقلب النقي) أي الخالص عن الرياء والسمعة والاشتغال بغيره تعالى أو عن الرذائل كلها.
(واللسان الصادق) أي الموافق للقلب أو مع حضوره وفراغه عن الغير إذ لو كان قلب طالب الحاجة منه غافلا عنه أو مشغولا بالغير عد كاذبا بل مستهزئا (وكن كما أمرتك.. الخ) قد مر شرحه والتكرير للتأكيد وهو مطلوب في مقام النصح والوعظ والتذكير وقد وقع مثل ذلك في القرآن العزيز في مدح العلم والعلماء وذم الجهل والجهلاء وذم الدنيا وأهلها وغير ذلك وفيه مبالغة في نفي الاستطالة إذ كل ما يتصور منه الاستطالة من الأمور الذاتية والعرضية والنعماء الظاهرة والباطنة فمنه تعالى ابتداؤه (وتقرب إلي) بالعلم والعمل والدعاء والتضرع ورفع الحاجات (فإني منك قريب) الفاء للتعليل لأن قربه تعالى من الخلق مع الاستغناء عنهم يقتضي تقربهم منه مع كمال الاحتياج إليه وتقديم الظرف لتعظيم المخاطب ولئلا يقع الفصل بينه وبين الله تعالى وإن كان لفظ القرب لأنه مشعر بالانفصال في الجملة (فإني لم أسألك ما يؤذيك ثقله ولا حمله) تعليل آخر للأمر بالتقرب أو للدعاء والعمل المستفاد من الأمر بالتقرب والظاهر أن العطف للتأكيد والتفسير وأن فيه حملا وثقلا في الجملة إلا أنه لا يؤذي لكثرة نفعه كما أشار إليه بقوله (إنما سألتك أن تدعوني فأجيبك وأن تسألني فأعطيك) فيه ترغيب في الدعاء والسؤال وفي الفاء المقتضية للتعقيب بلا فصل دلالة على سرعة الإجابة قال الصادق عليه السلام: «إذا دعوت فظن حاجتك بالباب» ولكن له شرائط مذكورة في كتاب الدعاء منها تقديم حمده تعالى وتذكر نعمته الشكر لها والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) وذكر الذنوب والاستغفار منها وفي حذف المفعول دلالة على التعميم فكل ما دعاه من أمور الدين والدنيا وفيه صلاحه فالله يجيبه قطعا ولو وقع التأخير كان فيه أيضا مصلحة وقد روي عنه (عليه السلام): «من تمنى شيئا وهو لله رضى لم يخرج من الدنيا حتى يعطاه» (وأن تتقرب إلي بما مني أخذت تأويله وعلي تمام تنزيله) لعل الموصول عبارة عن الكتاب وما فيه من العلوم والأسرار والأحكام كل ذلك أسباب للقرب إليه تعالى والمراد بتأويله بيان باطنه وباطن باطنه ولازمه ولازم لازمه وهكذا إذ