مواساة أنال منه وجعله فيه أسوة ولا يكون ذلك إلا من كفاف وإن كان من فضله فليس بمواساة (واخشع لي بالتضرع) الباء للمصاحبة أي مع التضرع أو الظرف حال عن الفاعل ولعل المراد بالخشوع سكون القلب والجوارح إلى الله تعالى واشتغال كل واحد منهما بما طلب منه وإعراضه عما سواه والتضرع إظهار الذل والمسكنة والافتقار إليه باللسان (واهتف بولولة الكتاب) الهتف التصويب والنداء هتف إذا صوت ونادى، والولولة الدعاء بالويل وصوت متتابع به والاستغاثة والإعوال وهو الصياح ورفع الصوت بالبكاء (واعلم أني أدعوك) في الدنيا إلى ما هو خير لك أو في الآخرة إلى الحساب والثواب والجزاء أو فيهما (دعاء السيد مملوكه) المطيع له الذي لا ملجأ له إلا إليه (ليبلغ به شرف المنازل) العالية وفيه حث له على قبول دعائه وإجابته (وذلك من فضلي عليك وعلى آبائك الأولين) من الأنبياء والمرسلين أو الأعم منهم ومن المؤمنين، وفيه من عليه وتحريك له على الشكر.
(يا موسى لا تنسني على كل حال) حث على ذكره ظاهرا وباطنا في جميع الأحوال كحال الصحة والمرض والشدة والرخاء والفقر والغناء وغيرها من الأحوال الغير المحصورة للإنسان (ولا تفرح بكثرة المال) وإن حصل من طرق الحلال (فإن نسياني يقسي القلوب) تعليل للنهي الأول بأن نسيانه يوجب قساوة القلب وغلظته وظلمته المانعة عن إدراك الحق وما يوجب القرب منه (وفي كثرة المال كثرة الذنوب) تعليل للنهي الثاني بأن كثرة المال يوجب كثرة الذنوب كالعجب والتكبر والتجبر والتفاخر والتطاول على الغير والإسراف والتقتير وترك الحقوق المالية وصرف العقل عن تحصيل المعارف الإلهية والواجبات العقلية والنقلية وحث القوة الشهوية والغضبية على الطغيان وتحريك النفس الأمارة إلى المخالفة والعصيان وذلك ظاهر لمن نظر في أحوال أبناء الزمان (الأرض مطيعة والسماء مطيعة والبحار مطيعة) لا يصدر منها العصيان في وقت من الأوقات والمراد بطاعتها انقيادها في كل ما هو المقصود من إيجادها بخلاف الإنس والجن فإنهم يعصون الله في كثير ما هو المطلوب منهم ويكتسبون الشقاوة كما أشار إليه بقوله (وعصياني شقاء الثقلين) والسر فيه أن بواعث الطاعة والمعصية موجودة فيهم وموانع الأولى قوية فلذلك صاروا معركة للمجاهدة الكبرى وابتلوا بالمصيبة العظمى فإن نجوا من هذه البليات صاروا من أشرف المخلوقات والله ولي الخيرات ومنه الاستعانة في المهمات.
(وأنا الرحمن الرحيم رحمن كل زمان) تحريك على الرجوع إليه في المهمات والالتجاء إليه في البليات والاستعانة منه في التحرز عن المنهيات لأنه برحمته ينجي من يشاء من المهلكات (آتي بالشدة بعد الرخاء وبالرخاء بعد الشدة وبالملوك بعد الملوك) هذا من آثار رحمته إذ لولا الشدة بعد الرخاء حصلت الغرة والغفلة ولولا الرخاء بعد الشدة حصل اليأس والقنوط، ولولا موت