بمضمون الشرط إلى أن حبله الموجب للقرب منه ما كان له خاصة فأما إذا انقطع بقصد غيره أيضا أو غيره وحده فهو حبل غيره لا حبله ولا ما اتصل به حبله فليس سببا للوصول إليه فلذلك فرع عليه طلب العبادة الخالصة بقوله: (فاعبدني) لا غيري بالاشتراك والانفراد فإن الرياء المشوب والخالص ليس لله فيه نصيب (وقم بين يدي للعبادة مقام العبد الفقير الحقير) الذي لا ملجأ له غير مولاه والمقام بضم الميم مصدر ميمي وفتحها على أنه اسم مكان بعيد.
(وذم نفسك فهي أولى بالذم) من الشيطان إذ لا حجة له في دعوته وإنما يدعوك إلى ما لا أصل له فتبعته نفسك الأمارة بالسوء ولذلك يقول الخبيث يوم القيامة على سبيل الإلزام: (فلا تلوموني ولوموا أنفسكم..) الآية. وفيه حث على حفظ النفس الأمارة وتطويعها للنفس المطمئنة القدسية بحيث تصير مؤتمرة لها ومتصرفة تحت أحكامها العقلية ومنصرفة عما لا أصل له من اللذات الفانية (ولا تتطاول بكتابي على بني إسرائيل) أي لا تعلو ولا تترفع عليهم بكتابي المنزل إليك أو بالعلم به أو بتعليمه وكل هذا وإن كان نعمة جليلة وفضيلة عظيمة توجب علو المنزلة ورفع الدرجة لكن لا يجوز الإستعلاء والترفع به على الغير ولما فهم من هذا ضمنا ومما مر صريحا أنه كتاب كامل مفيد للكمال فرع عليه قوله (فكفى بهذا) أي بهذا الكتاب (واعظا لقلبك ومنيرا) لاشتماله على النصايح والمواعظ الإلهية والأحكام والأسرار الربانية والتي هي من أشعة الجلال والعظمة ولوامع الأنوار والحكمة فيكفي وعظه لقلبك الشريف الخبير وإنارته لطبعك اللطيف المستنير وفي وصفه بالمنير تشبيه له بالسراج لما فيه من العلوم الكاملة والأخلاق الفاضلة (وهو كلام رب العالمين) هذا بمنزلة التعليل للسابق لأن وصف ربوبيته يقتضي أن يكون كلامه المنزل لإصلاح المربوبين مشتملا على جميع ما يحتاجون إليه كافيا لوعظ قلوبهم وإنارة صدورهم.
(يا موسى متى ما دعوتني ورجوتني) حذف مفعول الفعلين للدلالة على التعميم والظاهر أن «متى» اسم شرط كما في قوله: متى أضع العمامة تعرفوني وأن «ما» زائدة (فإني سأغفر لك) بعد إجابة الدعاء وتحصيل الرجاء على ما كان منك من التقصير لأن الدعاء والرجاء حسنة والحسنة تدفع السيئة وفيه وعد للداعي والراجي بعد حصول مرجوه ومطلوبه بغفران ذنوبه (السماء تسبح لي وجلا) دلت الآيات الكريمة والروايات الصحيحة الصريحة والاعتبارات الذوقية على أن كل شيء من الممكنات صامتها وناطقها صغيرها وكبيرها جوهرها وعرضها يسبح له عز وجل قال الله تعالى (تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن). (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) قال المحققون والمفسرون أن تسبيح السماء والأرض والأشجار والأحجار ونحوها من المكونات الغير العاقلة عبارة عن تنزيهه تعالى بما هو فيهن من لوازم الإمكان وتوابع الحدوث وبواعث الافتقار إلى الغير في الوجود والبقاء والكمالات وغيرها مما هو ملحوظ في