باب من يحب مصادقته ومصاحبته * الأصل:
1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن حسين بن الحسن، عن محمد بن سنان، عن عمار بن موسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا عليك أن تصحب ذا العقل وإن لم تحمد كرمه ولكن انتفع بعقله واحترس من سيىء أخلاقه ولا تدعن صحبة الكريم وإن لم تنتفع بعقله ولكن انتفع بكرمه بعقلك وافرر كل الفرار من اللئيم الأحمق).
* الشرح:
قوله: (لا عليك أن تصحب ذا العقل) وإن كان سئ الخلق غير كريم فإنك (وإن لم تحمد كرمه) في بعض النسخ لم تجد (ولكن انتفع بعقله) في أمر المعاش والمعاد (واحترس من سييء أخلاقه) ولا تتبعه. وفيه إرشاد إلى متابعته في مقتضيات العقل وترك متابعته في مقتضيات الأخلاق الذميمة (ولا تدعن صحبة الكريم) وإن لم يكن له عقل.
(فإن لم تنتفع بعقله) لضعفه (لكن انتفع بكرمه بعقلك) واكتسب نوائله لنفسك وخصلة كرمه بعقلك (وافرر كل الفرار من اللئيم الأحمق) لأنه ليس كريما لتنتفع بكرمه ولا عاقلا لتنتفع بعقله مع أن في صحبة مفاسد من وجوه شتى:
الأول: أن يشغلك عن طاعة الله وذكره ومناجاته واستكشاف أسراره في خلق السماوات والأرض وما بينهما لأن ذلك يستدعي فراغا ولا فراغ مع صحبته.
الثاني: إمكان مسارقة طبعك عن رذائل أخلاقه وقبايح أعماله.
الثالث: إمكان وقوعك في الفتن والمصيبات التي لا ينفك عنها غالبا.
الرابع: أنه ربما يؤذيك تارة بالغيبة ومرة بسوء الظن والتهمة وتارة بالإقتراحات والأطماع الكاذبة التي يشكل الوفاء عليها وتارة بالنميمة والكذب فربما يسمع منك قولا أو يرى منك ما لا يوافقه فيتخذه ذخيرة عنده ليوم يكون له فيه فرصة لتداركه.
الخامس: أن رؤية الأحمق والثقيل ثقيلة، وكذا سماع كلماته الركيكة ومشاهدة أطواره وأخلاقه القبيحة، وقد قيل: قال بعض الحمقاء للأعشى: لم أعشيت عينك.
فقال: لئلا ننظر إلى الثقلاء والحمقاء، وقال جالينوس: لكل شيء حمى وحمى الروح النظر إلى الثقلاء.
وبالجملة مفاسد صحبته أكثر من أن تحصى.