والاهتمام و «عليك» للإيجاب والإلزام (فإنها مني بمكان) قريب على منيع ومقام شريف سني رفيع، والتنوين العظيم.
(ولها عندي عهد وثيق) لعل المراد به أن من حفظها وحفظ حرمتها وفعلها في أوقاتها وراعى حدودها وأركانها وشرائطها جعله من عباده المقربين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن من ضيعها وضيع حقوقها ضيعه تبارك وتعالى وجعله من الأخسرين، ثم أمر بأداء ما هو قريب من الصلاة في الفضل والأجر وهو الزكاة فقال: (وألحق بها ما هو منها) أي من الصلاة أو قريب منها وفي رواية: (إن من منع الزكاة وقفت صلاته حتى يزكي» وفي أخرى: «زكوا أموالكم تقبل صلاتكم» ولذلك قارنها عز وجل بالصلاة في القرآن (زكاة القربان) بيان للموصول أو بدل منه والقربان إما مصدر بمعنى القرب أو ما يتقرب به إلى الله تعالى، والإضافة إلى على الأول لامية من باب إضافة السبب إلى المسبب وعلى الثاني بيانية وحملة على ما كان معروفا في سالف الزمان بعيد (من طيب المال والطعام) لا من خبيثه ومعيوبه إلا إذا كان المال كله أو بعضه معيوبا فإنه يجوز المعيوب أو الموزع حينئذ (فإني لا أقبل إلا الطيب يراد به وجهي) الجملة حال عن الطيب والقبول مشروط بأمرين إخراج الطيب وقصد القربة.
(واقرن مع ذلك صلة الأرحام) في القاموس: الرحم بالكسر وككتف بيت منبت الولد ووعاؤه والقرابة أو أصلها أو أسبابها وقال بعض العلماء: المراد بالرحم قرابة الرجل من جهة طرفيه آبائه وإن علوا وأبنائه وإن سفلوا وما يتصل بالطرفين من الأعمام والعمات والأخوة والأخوات وأولادهم، والظاهر أنه لا خلاف في وجوب صلتها في الجملة لدلالة ظاهر الآيات والروايات على العقوبة بتركها، وللصلة درجات متفاوتة بعضها فوق بعض وأدناها الكلام والسلام وجوابه وترك المهاجرة وتختلف أيضا باختلاف القدرة عليها والحاجة إليها فمن الصلة ما يجب ومنها ما يستحب ومن وصل بعض الصلة ولم يبلغ أقصاها هل هو واصل أو قاطع فيه تأمل، وفوائدها المستفادة من الأخبار كثيرة فإنها توجب زيادة العمر والمال والرزق والمحبة والعون عند الحاجة والتزكية في العمل والسماحة وتحسين الخلق وتطييب النفس وتعمير الديار والوقاية من مصارع السوء والعصمة من الذنوب (فإني أنا الله الرحمن الرحيم والرحم أنا خلقتها من رحمتي ليتعاطف بها العباد) أشار بالجلالة إلى ذاته المقدسة الملحوظة معها الألوهية المقتضية لانقياد كل شيء له فيما يريد ويكره للترغيب فيه وأشار بالرحمن الرحيم إلى اتصافه بالرحمة الكاملة التي وسعت كل شيء، ثم أشار إلى أنه خلق الرحم من رحمته للتوالد والتناسل فضلا على العباد وإحسانا إليهم ليتعاطف بعضهم بعضا ولم يخلق كل واحد من تراب كما خلق آدم عليه السلام منه لأن الأول أقوى في التعاطف فلابد من اتصاف الرحم بالرحمة والتعاطف لئلا يفوت نظامهم والغرض من خلقها.