هذا يجزع الصديقون) أي من عند تمادي الخلق في الغفلة يجزع الصديقون بمشاهدتهم مخالفة الرب وصعوبتها عليهم أو من غير التمادي في الغفلة يجزع الصديقون فأهل التمادي أولى بالجزع أو من غير صراخ الكتاب إلى أحوال القيامة يجزع الصديقون من التقصير لعلمهم بأنه تعالى مستحق للعبادة لذاته ولو لم تكن الجنة والنار كما أشار إليه سيد الوصيين بقوله: «ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك» والله يعلم.
(يا موسى مر عبادي يدعوني على ما كان) من الذنوب والبلايا والحاجات مطلقا ولما كان الاجتهاد في الدعاء وحسن الظن بالله عز وجل أمرا مطلوبا ولا يتحقق ذلك إلا بأن يقر الداعي له تعالى بأوصاف مقتضية لهما أشار إليها بقوله: (بعد أن يقروا لي أني أرحم الراحمين) إذ لولا هذا الإقرار لكان الداعي غافلا أو حاكما بالتساوي أو مرجحا رحمة الغير أو منكرا لرحمته تعالى والكل ينافي الإجتهاد وحسن الظن به تعالى (مجيب المضطرين) إذ لولا الإقرار بأنه يجيب المضطرين كلهم لجوز أن لا يجيبه لعدم المنافاة بين الإيجاب والسلب الجزئين وهذا يوجب الفتور فيما ذكر (واكشف السوء) إذ لو لم يقر بأنه يكشف السوء كله لجوز أن لا يكشف سوءه هذا وهو أيضا ينافي ما ذكر (وأبدل الزمان وآتي بالرخاء) إذ لو لم يقر بأن تبدل الزمان من الرخاء إلى الشدة ومن الشدة إلى الرخاء وإتيان الرخاء منه تعالى لجوز أن يكون من غيره فهذا الغير أولى بالرجوع إليه وهو مناف لما ذكر (واشكر اليسير وأثيب الكثير وأغني الفقير) الإقرار له بقبول اليسير وإثابة الكثير وإغناء الفقير داع إلى ما قلنا (وأنا الدائم العزيز القديم) الإقرار له بالدوام الذي لا انقطاع له والعزة التي لا يغلب معها والقدرة التي لا يقدر شيء على الامتناع منها باعث على ما مر والكل ظاهر (فمن لجأ إليك وانضوى إليك) أي أوى ومال وانضم إليك، وفي الفايق: ضوى إليه وأضواه آواه فانضوى (من الخاطئين) بيان للموصول والظاهر أن ميله إليه عليه السلام بالتوبة والإنابة والاعتراف بالخطأ والتقصير (فقل: أهلا وسهلا) نصبهما بفعل محذوف وجوبا أي أتيت أو صادفت أهلا وعشيرة لا أجانب ووطئت سهلا من البلاد لا حزنا ولا خرابا وهذا الكلام يقوله العرب لإظهار الرضا عن المخاطب وتعظيمه وتوقيره.
(يا رحب الفناء بفناء رب العالمين) الرحب بالضم والسعة وبالفتح الواسع والفناء بالكسر ما امتد من جوانب الدار وفي كنز اللغة: «فنا» استان در، والظرف متعلق بالرحب وصف اللاجىء بأنه واسع الفناء في فناء رب العالمين من باب تشبيه المعقول بالمحسوس لقصد الإيضاح والدلالة على تعظيمه وتوقيره فإن قولنا: فلان واسع المكان في باب السلطان يدل على ذلك والله يعلم (واستغفر لهم وكن لهم كأحدهم) من لطف الله تعالى بعباده المذنبين ورحمته عليهم ومحبته لهم أن أمر رسوله الكريم بالاستغفار لهم وحسن المعاشرة معهم وترك التحشم والاستطالة عليهم