المؤمنين (عليه السلام) حين وصف القرآن بأنه النور المقتدى به بقوله: «فاستنطقوه ولن ينطق لكم ولكن أخبركم عنه ألا أن فيه علم ما يأتي والحديث عن الماضي ودواء دائكم ونظم ما بينكم» وسر ذلك أنه (عليه السلام) لسان القرآن ينطق بدواء داء القلوب وذلك الداء هو الرذائل المنقصة ودواؤه لزوم الفضائل العلمية والعملية المشتمل عليها القرآن الكريم، ونظام ما بينهم إشارة إلى ما اشتمل عليه من القوانين الشرعية والحكم السياسية التي بها نظام العالم (فصل عليه يا بن عمران فإني أصلي عليه وملائكتي) المشهور أن الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن المؤمنين الدعاء وهو طلب الرحمة، وقال الشهيد الثاني: أصل الصلاة الدعاء إلا أنها من الله تعالى الرحمة مجازا ورجحه على المشهور بأن المجاز خير من الاشتراك كما بين في الأصول ثم قال: وغاية السؤال بها عائدة إلى المصلي لأن الله تعالى قد أعطى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من المنزلة والزلفى ما لا يؤثر فيه صلاة مصلي كما نطقت به الأخبار وصرح به العلماء الأخيار ولك أن تقول أن الصلاة لها تأثير في حصول السرور له (صلى الله عليه وآله) وهذا أيضا فائدة.
(يا موسى أنت عبدي وأنا إلهك) الغرض منه تحريكه إلى الإتيان بحقيقة العبودية ورعاية حقوق الألوهية والانقطاع عن الغير لا مجرد الأخبار بمضمونه (لا تستذل الحقير الفقير) يمكن أن يراد بالحقير له أعوان وأنصار وبالفقير من ليس له أموال وأسباب واستذلاله يتحقق بترك حقوق الأخوة وهي كثيرة كما مر في الأصول (ولا تغبط الغني بشيء يسير) أي لا تتمن مثل ما في يده من متاع الدنيا وهو شيء يسير بذاته وبالنسبة إلى مالك في الدنيا والآخرة (وكن عند ذكري خاشعا) في الباطن والظاهر بصرف كل منهما فيما طلب منه والفراغ عن غيره والذكر شامل لذكر القلب واللسان وسائر العبادات (وعند تلاوته برحمتي طامعا) برحمتي متعلق بما بعده والتقديم للاهتمام أو للحصر للتنفير عن الرياء والسمعة.
والظاهر أن الضمير المجرور راجع إلى الذكر وعوده إلى الكتاب وهو التورية بقرينة المقام محتمل بعيد (واسمعني لذاذة التورية) بصوت خاشع حزين.
اللذة نقيض الألم واللذاذة مصدر فعلها لازم ومتعد يقال: لذ بشيء لذاذة صار ذا لذة ولذذته أنا لذاذة التذذت به ووجدته لذيذا وفي كنز اللغة: لذاذة خوش مزه شدن وخوش مزه يافتن فإضافتها إلى التوراة على الأول إلى الفاعل وعلى الثاني المفعول ثم هي في الأصل للأكل والشرب وشاع استعمالها في كل ما يلتذ به مثل الصوت والكلام والزمان الخالي عن الشرور ونحوها فلا يرد أن اللذة مدركة بالذوق لا بالسمع وخشوع الصوت خضوعه وخفضه قال الله تعالى (وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا) أي خضعت وخفضت والهمس الصوت الخفي وحزن الصوت رقته، يقال: فلان يقرأ بالتحزين أي يرقق صوته ولو كان المراد بالحزن خلاف السرور كان