اتصاف الصوت به مجازا لاتصاف صاحبه به بقراءة ما يوجب حزنه من أحوال الحشر والنشر والثواب والعقاب وغيرها مما يتحير فيه أولوا الألباب أو كناية عن البكاء (اطمئن عند ذكري) كل قلب صحيح طالب للحق يطمئن عند ذكره ويسكن إليه ويستقر فيه ويتخلص من الاضطراب لوصوله إلى مطلوبه واتصاله به اتصالا معنويا فإذا لم يذكره أو ذكره ولم يحصل له الاطمئنان كان سقيما مضطربا متصفا بالنفاق غير دافع عنه علايق الإمكان وغواشي الأبدان الموجبة للاضطراب ولكل واحد من الاطمينان والاضطراب مقامات متفاوتة ودرجات متباعدة وأسباب متكثرة لا يليق بهذا المختصر ذكرها (وذكر بي من يطمئن إلي) ترغيب في تذكر من يتذكر ويطمئن قلبه إلى الله وتعليمه لأن منع التذكير والتعليم من القابل ظلم وأما غيره من لا رجاء في تذكيره وتعلمه واطمينانه أو خيف منه فهو جدير بالإعراض عنه.
(واعبدني ولا تشرك بي شيئا) شركا جليا وخفيا وقت العبادة وبعدها إذ العبادة الخالصة عنه هي التي لا يكون الغرض منها إلا الله ولا يقصد لها حامد سواه في وقت من الأوقات (وتحر مسرتي) أي ما يوجب سروري وفي تعميمه دلالة على طلب جميعه وهو إنما يكون بضبط جميع الحركات والسكنات وحصره على ما فيه رضاه، ثم رغب فيما ذكر بذكر أمرين مقتضيين للامتثال به أحدهما كمال قوته تعالى واستحقاقه لذلك والثاني كمال ضعف المخاطب واحتياجه إليه فأشار إلى الأول على سبيل المبالغة في التأكيد والحصر بقوله:
(فإني أنا السيد الكبير) هو السيد أي الملك الواجب الطاعة كما صرح به في العدة والكبير لا بالمقدار والجسمية بل بالاستغناء عن الغير بما له من الصفات الكمالية الذاتية والشرف والعلية وأشار إلى الثاني بقوله: (إني خلقتك من نطفة من ماء مهين) الثاني بدل للأول أو من بيان لنطفة والمهين الحقير والضعيف والقليل (من طينة أخرجتها من أرض ذليلة ممشوجة) من ابتدائية وذليلة من الذل بمعنى الهوان والحقارة وكل شيء غيره تعالى ذليل تحت أمره وقدرته، وممشوجة من المشج وهو الخلط وهي صفة ثانية لطينة، والمراد بها طينة خلق الله تعالى منها آدم عليه السلام كما نطق به القرآن الكريم وهي مخلوطة مأخوذة من حزن الأرض وما غلظ منها ومن سهلها وما لان منها ومن عذبها وما طاب منها ومن سبخها وما ملح منها وبالماء العذب والماء الأجاج فخلق منها صورة حسنة ذات أحناء وأضلاع وذات مفاصل وأعضاء ونفخ فيها من روحه كما صرح به أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه (فكانت بشرا) كاملا ناطقا عاقلا عالما مفكرا مدركا لما في عالم الملك والملكوت فايقا على الملائكة المقربين في العلم والمناظرة (فأنا صانعها خلقا) عظيما وهو تأكيد للسابق والتأسيس محتمل (فتبارك وجهي) أي تنزه ذاتي عن النقايص (وتقديس صنعي) أي تطهر عن العيوب والنواقص (ليس كمثلي شيء) الكاف زائدة أو المقصود