يا موسى انظر إلى الأرض فإنها عن قريب قبرك وارفع عينيك إلى السماء فان فوقك فيها ملكا عظيما وابك على نفسك ما دمت في الدنيا وتخوف العطب والمهالك (1) ولا تغرنك زينة الدنيا وزهرتها ولا ترض بالظلم ولا تكن ظالما فإني للظالم رصيد حتى أديل منه المظلوم.
يا موسى إن الحسنة عشرة أضعاف ومن السيئة الواحدة الهلاك، لا تشرك بي، لا يحل لك أن تشرك بي، قارب وسدد وادع دعاء الطامع الراغب فيما عندي، النادم على ما قدمت يداه فان سواد الليل يمحوه النهار وكذلك السيئة تمحوها الحسنة وعشوة الليل تأتي على ضوه النهار وكذلك السيئة تأتي على الحسنة الجليلة فتسودها.
* الشرح:
(حديث موسى عليه السلام) (قال: إن موسى عليه السلام ناجاه الله تبارك وتعالى) أي خاطبه وحدثه وساره والحديث مضمر قائله غير معلوم (يا موسى لا يطول في الدنيا أملك فيقسو بذلك قلبك وقاسي القلب مني بعيد) الأمل محركة الرجاء وطوله من أعظم مصائد الشيطان يصيد به قلوب الجهلة فإن المؤمل في مطالب الدنيا لا يزال يتجدد له أمارات خيالية على مطالب وهمية ويذهب فكره إلى كيفية تحصيلها وضبطها فيشتغل قلبه عن ذكر الله ويحصل فيه رين يمنعه من التوجه إليه وظلمة صارفة له من العمل للآخرة وما يوجب القرب منه تعالى وهذا معنى القساوة وأكثر هذه النصايح وأمثالها راجعة إلى الأمة من باب التعريض (يا موسى كن كمسرتي فيك فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصى) المسرة مصدر كالسرور يقال: سره سرورا بالضم ومسرة أفرحه، وفي كنز اللغة: مسرة شادى كردن، أي كن ملزوما للطاعة وعدم المعصية كما أن مسرتي ملزومة لهما فإنهما سبب لها، وحملهما عليها من باب حمل السبب على المسبب للمبالغة ونسبة المسرة إليه تعالى من باب التمثيل أو أريد بها لازمها وهو الإحسان والإكرام وسيأتي مثل هذه العبارة في حديث عيسى (عليه السلام) وفيه كن لمسرتي باللام وهو أظهر والمآل واحد والله يعلم (وأمت قلبك بالخشية) أي أمت نفسك الأمارة عن الطمع في الدنيا ولذاتها وشهواتها بالخشية من عقوبة الله وبالخوف من مخالفته وهو أشد جاذب للخائف عن سبيل المعصية إلى مسلك الطاعة لأن الخائف من شيء هارب منه إلى جانب ضده، وأمانته بهذه المعنى توجب له حياة أبدية بالطاعة والورع والتقوى وما ورد في بعض الروايات من الأمر بإحيائه أريد به إحياؤه بما ذكر.
(وكن خلق الثياب جديد القلب) بتغسيله عن الجهل والغفلة والرذايل وتزيينه بالعلم والذكر والفضائل على عكس ما عليه أبناء الزمان حيث يجعلون ثيابهم جديدة وقلوبهم كثيفة وكون ثوب