أمير الأمة خلقا مطلوبا خصوصا إذا لم يجد غيره إلا بتصنع وتكلف لئلا يشق ذلك على ضعفائهم ولو وجد غيره على وجه مشروع كان لبسه أيضا جائز لئلا يعيروا بذلك كما مر كل ذلك في كتاب الحجة (تخفى على أهل الأرض وتعرف في أهل السماء) الظاهر أنه حال والأول ناظر إلى الأول والثاني إلى الثاني (حلس البيوت) أي كن حلس البيوت الحلس بالكسر ويحرك كساء يلقى على ظهر البعير تحت القتب وبساط يبسط في البيت، وفي بعض النسخ «جليس البيوت» بالجيم والياء بعد اللام أمره عليه السلام بلزوم البيت وعدم الخروج منه إلا بقدر الضرورة وحثه على العزلة للاشتغال بطاعة الله تعالى والبكاء والندم على خطيئته ومنافع عزلة العالم عن شرار الخلق كثيرة ولذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام: «فطوبى لمن لزم بيته وأكل قوته واشتغل بطاعة ربه وبكى على خطيئته».
(مصباح الليل) الإضافة بتقدير «في» والمصباح استعارة له (عليه السلام) والوجه هو الإضاءة والإنارة والغرض هو التحريص على الاشتغال بالقيام في الليل لأن العابد فيها يضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض وكذلك البيت الذي يعبد فيه (واقنت بين يدي قنوت الصابرين) القنوت الطاعة والخشوع والصلاة والدعاء والعبادة والقيام وطول القيام والكل هنا محتمل وله مراتب وأعظم مراتبه قنوت الصابرين على تحمل المشقات في العبادات لوجه الله تعالى.
(وصح إلى كثرة الذنوب صياح الهارب من عدوه) طلبا للمستغاث وهو كناية عن البكاء والتضرع والدعاء والإنابة إليه والاستعانة به (واستعن بي على ذلك) في الأمر بالاستعانة به إيماء إلى أن صرف النفس عن المهلكات وميلها إلى الطاعات إنما يتيسر بالاستعانة منه تعالى لأن النفس أمارة بالسوء (فإني نعم العون ونعم المستعان) ترغيب في الاستعانة به لأن المضطر إليها لا يتركها إذا علم أنه يعينه قطعا (يا موسى إني أنا الله) هذا الحكم وإن كان معلوما لكل عاقل لا مجال للإنكار فيه إلا أن العباد لما قصروا في رعاية حقوقه صاروا كأنهم منكرون له فلذلك وقع فيه التأكيد والحصر.
(فوق العباد والعباد دوني) بالقهر والغلبة والقدرة والقوة والعلية والشرف والكمال (وكل لي داخرون) أي صاغرون ذليلون من دخر كمنع وفرح دخورا صغر وذل وليس الغرض من هذا الخبر إفادة الحكم ولا لازمه بل الحث على طاعته وانقياده وامتثال أوامره ونواهيه ومواعظه ونصايحه (فاتهم نفسك على نفسك) بكشف سرك أو بكتمانه ولا تعتمد عليها فضلا عن غيرها ففيه مبالغة في كتمانه بإنك إذا لم تعتمد على نفسك مع أنها أولى بحفظ سرك فكيف تعتمد على غيرك وهذا نظير قول أبي الحسن (عليه السلام) في الترغيب والمبالغة في كتمانه: «إن كان في يدك هذه شيء فإن استطعت أن لا تعلم هذه فافعل» والفرق بين الفاعل والمفعولين بالاعتبار والحيثية ولهذا الكلام