بدفنه واشتغلوا بنصب الخليفة وعللوا ذلك بأنه لا يجوز بقاء الأمة بعده بلا إمام طرفة عين ولم يعلموا لجهلهم أنه يلزمهم ذلك لبقاء الأمة عندهم بلا إمام أكثر وأنه يلزم أن يكونوا أعلم منه (صلى الله عليه وآله) حيث لم يعلم أنه لا يجوز ذلك ومضى بلا نصب إمام، لا والله علموا جميع ذلك ولكن حب الدنيا والرئاسة حملهم عليه. من أضله الله فلا هادي له.
(وانتكصوا على الأدبار) النكوص الرجوع إلى وراء هو القهقري وبذلك قد أدبر من الدنيا ما كان مقبلا في عهده (صلى الله عليه وآله) من الخير وصلاح أهلها وأقبل منها ما كان مدبرا من الشرور التي أدبرت فيه وظهور الإسلام وإليه أشار (صلى الله عليه وآله) بقوله «الإسلام بدأ غريبا وسيعود كما بدأ» وفيه تنبيه على أن رجوعهم عن الدين على هذا الوجه تمويه وتدليس منهم إذ لو أدبروا عنه بالكلية وتركوه من جميع الوجوه لم يحصل ما هو مطلوب لهم من الرئاسة لعدم تحقق الانقياد لهم من العرب وغيرهم من أهل الإسلام.
(وطلبوا الأوتار) جمع وتر وهو الجناية التي يجنيها الرجل على غيره من قتل أو نهب أو سبي ومنه الموتور الذي قتل له قتيل ولم يدرك بدمه وكأنه إشارة إلى سبب انحرافهم عنه (عليه السلام) وهو أنه جنى من كل قوم من العرب جنايات وقتل منهم جماعة في الحروب فصار ذلك سببا لميلهم عنه أو إشارة إلى ما وقع بينه وبين معاوية وأصحاب الجمل وأهل النهروان فإن كلهم نسبوا الجناية إليه من قتل عثمان وغيره مما لم يفعله فيكون حينئذ إخبارا بالغيب لأنه أخبر بما سيقع وقد وقع والإتيان بالماضي للدلالة على تحقق وقوعه.
(وأظهروا الكتائب) جمع الكتيبة وهي القطعة العظيمة من الجيش وهذا أيضا يحتمل الأمرين الأول الجيوش التي سيخرجون عليه والثاني جيش أبي بكر لأنه صار سلطانا صاحب جيش يحارب بهم كل من خالفه (وردموا الباب) سدوه وأراد به ذاته المقدسة لأنه باب الله وباب الشريعة وباب مدينة العلم والمراد بسده منع الناس من الرجوع إليه والدخول فيه (وفلوا الديار) أي كسروا دار الإسلام والشريعة وغلبوا على أهلها قهرا وعنوة (وغيروا آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله)) وهي سنته وقوانينه التي قررها بأمر الله في بضع وعشرين سنة (ورغبوا عن أحكامه) من الحلال والحرام وغيرهما لأن بناء تصرفاتهم في الدين على القياسات والاجتهادات والاستنباطات المخالفة لمناط الأحكام الشرعية وقد كان المعروف من الأحكام ما عرفوه بآرائهم وإن كان منكرا في الشريعة والمنكر منها عندهم ما أنكره طباعهم وإن كان معروفا فيها.
(وبعدوا من أنواره) وهي العلوم الإلهية والأسرار القرآنية أو الأئمة الطاهرة فخرجوا بذلك من طاعة الله ورسوله ورجعوا إلى الضلال القديم والجهل الذي كانوا عليه.
(واستبدلوا بمستخلفه بديلا اتخذوه) فيه إيماء إلى أن منشأ الاستبدال إنما هو أهواؤهم من