مكان له، وفي الابتداع إشعار بأنه لو كان له مكان لكان مكانه مبتدعا حادثا فلم يكن جل وعز قبل حدوثه في مكان فلا يكون بعده أيضا فيه لما مر (ولا قوى بعدما كون شيئا) ليس الغرض من تكوين الأشياء تحصيل القوة والاستعانة بها في سلطانه على غيره بل الغرض منه إظهار ربوبيته وحكمته وقدرته وإمضاء تقديره وتدبيره وعظمته (ولا كان ضعيفا قبل أن يكون شيئا) فلم يكونه لجبر ضعفه وتشديد قدرته ورفع العجز عنه كما يفعله الصانع منا لتحصيل القوة والقدرة على تحسين صناعته ورفع العجز منها عن نفسه لأنه إنما يحتاج إلى ذلك العاجز الناقص في القدرة والقوة والله سبحانه هو القادر القوي على الإطلاق (ولا كان مستوحشا) أي مغتما بتفرده والاستيحاش ضد الإستيناس (قبل أن يبتدع شيئا) فلم يبتدعه ليستأنس به ويدفع ألم الوحشة عن نفسه لأن الوحشة من لوازم التغير وتوابع المزاج ولواحق الحيوان الذي يأخذ من جنسه أو من غير جنسه أنيسا يستأنس به وقدس الحق منزه عن ذلك (ولا يشبه شيئا) لا في الذات ولا في الصفات لتنزهه عن المشابهة بخلقه إذ الوجوب الذاتي يتأبى عن المشابهة بما في عالم الإمكان.
(ولا كان خلوا من الملك قبل إنشائه، ولا يكون خلوا منه بعد ذهابه) لأنه تعالى لما ليس زمانا ولا زمانيا ولا مكانا ولا مكانيا ولا امتداد فيه كانت نسبته إلى ملكه وهو الموجودات العينية قبل إنشائها وحين إنشائها وبعد فنائها نسبة واحدة لا تقدم ولا تأخر فيها بل كلها حاضرة عنده لا باعتبار أنها كانت في الأزل أو تكون معه فيما لا يزال لبطلان ذلك بل باعتبار أنه لا يجري فيه زمان واحكامه وأن نسبته إلى الأزل والأبد والوسط واحدة فالعقل الصحيح إذا تجرد عن شبهات الأوهام ولواحق الزمان ولاحظ أنه لا امتداد في قدس وجود الحق يحكم حكما جازما بأنه لا يخلو من الملك قبل إنشائه وبعد فنائه ويمكن أن يراد بالملك سلطنته وتسلطه على ما سواه وبضميره المخلوق على سبيل الاستخدام والمقصود أنه لا يخلو من السلطنة قبل إنشاء الخلق وبعد ذهابه إذ سلطنته بعلمه وقدرته على الممكنات عند أرباب العصمة عليهم السلام سواء أوجدها أو لا، وإن أردت زيادة توضيح فارجع إلى ما ذكرنا في باب الكون والمكان من كتاب الأصول.
(كان إلها) مستحقا للألوهية والعبودية في الأزل (حيا بلا حياة) زايدة قائمة بذاته بل هي عين ذاته باعتبار أنه يصدر منه أفعال الأحياء وفيه تنزيه لحياته عن التشابه بحياة خلقه فإنها صفة زائدة عن ذواتهم منشأ لعلمهم وقدرتهم وصدور الأفعال عنهم (ومالكا قبل أن ينشئ شيئا) لما عرفت أنه لا يخلو من الملك قبل إنشائه (ومالكا بعد إنشائه للكون) لما مر أيضا وللكون متعلق ب «مالكا» أو بالإنشاء ففيه على الأول إشعار بأنه مالك لوجود كل شيء وبيده أزمة بقائه وفنائه وعلى الثاني إيماء إلى الجعل البسيط بإفاضة الوجود وأما الجعل المركب فهو مسكوت عنه وفيه كلام طويل مذكور في موضعه وإنما كرر ذكر المالك لدفع استبعاد كونه مالكا قبل وجود المملوك وبعد فنائه