يراد به هنا وفي الآية استقسام الجزور بالأقداح العشرة على الأنصباء المعلومة والسهام العشرة على هذا الترتيب كما صرح به بعض الشعراء في نظمه إياها.
الفذ والتوأم والرقيب والنافس والمسبل * والحلس والمعلى والسفيح والمنيح والوغد والثلاثة الأخيرة لا نصيب لها وكانت على مخرجها قيامة الجزور ولكل واحد من السبعة السابقة نصيب بتزايد واحد على السابق حتى كان للمعلى النصيب الأعلى فمن أخرج واحدا منها أخذ نصيبه وجعل صاحب القاموس الحلس رابعا والنافس خامسا والمسبل سادسا أو خامسا.
(عامهين عن الله عز ذكره) أي غافلين عنه تعالى جاهلين عما أراد منهم، في النهاية العمة في البصيرة كالعمى في البصر فكما أن الأعمى لا يهتدي إلى مقاصده المحسوسة بالبصر لعدمه كذلك فاقد البصيرة لا يهتدي إلى مقاصده المعقولة لاختلال بصيرته، وفي القاموس: العمة محركة التردد في الضلال والتحير في منازعة أو طريق أو أن لا يعرف الحجة وفعله كمنع وفرح.
(جائرين عن الرشاد) أي مايلين عن طريق الحق ضالين عن منهج الصواب من جار عن الطريق يجور إذا مال وضل. وفي بعض النسخ: «حائرين» بالحاء المهملة أي راجعين من الحور بمعنى الرجوع.
(مهطعين إلى البعاد) الإهطاع الإسراع في العدو أي مسرعين إلى البعاد عن رحمة الله تعالى أو عن الخير أو عن سبيل الحق أو إلى الهلاك أو إلى الخيانة أو إلى اللعن والبعاد في الثلاثة الأولى من البعد ضد القرب وفي الثلاثة الأخيرة من البعد بهذه المعاني وكل ذلك لجهلهم بربهم وكتابهم نبيهم وشريعتهم ومراشد أمورهم ومصالحها.
(قد استحوذ عليهم الشيطان) أي استولى عليهم وألجمهم بلجامه وقادهم إلى سبيله لكون نفوسهم قابلة لذلك وهذه اللفظة أحد ما جاء على الأصل من غير إعلال خارجة عن أخواتها نحو استقال واستقام (وغمرتهم سوداء الجاهلية) الغمر التغطية يقال: غمره الماء إذا غطاه ففيه مكنية وتخييلية والمراد بالسوداء إما الجاهلية على أن يكون الإضافة بيانية أو الجهالة أو الخصلة الذميمة على أن تكون الإضافة بتقدير في، ووصفها بالسوداء للدلالة على حيرتهم فيها ولعل المراد أنهم كانوا غائصين في الجاهلية أو في جهالتها أو في خصالها الذميمة وهو كناية عن تصرفاتهم الباطلة على جهل منهم بما ينبغي لهم من وجوه التصرفات الصحيحة، ويمكن أن يكون المراد أنهم كانوا في شدة وبلية وذلك لأن العرب كانت حينئذ في شدائد من ضيق المعاش والنهب والغارات وسفك الدماء.
(ورضعوها جهالة) تشبيه الجهالة باللبن مكنية ونسبة الرضاع إليها تخييلية وفيه تنبيه على أنهم كانوا في أول العمر ساعين في طلب الجهالة راغبين في تحصيل لوازمها.