(وانتظموها ضلالة) في كنز اللغة: الانتظام بهم - باز دوختن - وهو يفيد أنه يجيء للتعدية والافتعال قد يجيء لها وإن كان غالبا للمطاوعة كالاحترام والاتهام ونحوهما ولعل المعنى انتظموا الجهالة بالضلالة ووصلوها بها وفيه تنبيه على أن ضلالتهم وخروجهم عن الدين ثمرة جهالتهم فيه وفي بعض النسخ «وانفطموا» أي انفطموا عن رضاع الجهالة من أجل غذاء الضلالة شبه الضلالة بالطعام بعد الفطام والمقصود بيان تمرنهم بالجهالة والضلالة حتى صار ذلك حاجبا لهم عن قبول الحق سابقا والرجوع عنه لاحقا.
(فأخرجنا الله إليهم رحمة) لنخرجهم من الظلمات إلى النور (واطلعنا عليهم رأفة) لنهديهم إلى سبيل الحق وننجيهم عن دار الغرور.
(وأسفر بنا عن الحجب نورا لمن اقتبسه وفضلا لمن اتبعه وتأييدا لمن صدقه) الإسفار الإضاءة والإشراق، والباء في «بنا» للسببية، والمراد بالحجب أغشية الجهالة المنصوبة على قلوب الكافرين وأغطية الغفلة المضروبة على عقول الغافلين حتى غفلوا عن الرب وصفاته وما ينتظم به أمر معاشهم ومعادهم وهي ناشئة من ظلمات الهيئات البدنية والمعارضات الوهمية والخيالية المانعة عن مشاهدة أنوار عالم الغيب والشهادة وهي قابلة للزيادة والنقصان والقوة والضعف وإليه أشار جل شأنه بقوله: (أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) فمثلهم كرجل وقع في بحر لجي صفته كذلك فأشار به إلى مالهم في الدنيا من الأخطاء المهلكة والموج الأول موج الشهوات الداعية إلى الصفات البهيمية، والثاني موج الصفات السبعية الباعثة على الغضب والعداوة والحقد والحسد والمباهاة والمفاخرة والسحاب هو الاعتقادات الباطلة والحالات الفاسدة التي صارت حجبا لبصيرتهم عن إدراك نور الحق إذ خاصية الحجاب أن يحجب نور الشمس عن الأبصار الظاهرة وإذا كانت هذه كلها مظلمة فبالحري أن يكون ظلمات بعضها فوق بعض، و «نورا» وما عطف عليه منصوب على التميز وهو في المعنى فاعل لأسفر كما هو المقرر في النحو.
والمراد به إما القرآن أو الشريعة أو العلوم الحقة أي يبصر بنورها ذو العماية ويرشد بهداها ذو الغواية، والمراد بالفضل إما الإحسان بهداية القلوب بعدما كانت غائصة في ظلمات الذنوب أو العلم والفضيلة وهي الدرجة الرفيعة في الفضل والكمال أو النعمة الجسيمة ومنه الفواضل وهي الأيادي الجميلة والمراد بالتأييد التقوية والنصرة في الدين والإعانة في طلب اليقين من الأيد بمعنى القوة وملخص المعنى والله يعلم أسفر الحق أي أضاء وأشرق وكشف نوره وفضله وتأييده عن الحجب الظلمانية المذكورة بسبب وجودنا فوجودنا سبب لوصول تلك النعماء الجسيمة من