(وأبدت لهم أيام الرسول آثار الصالحين) الإبداء الإظهار فالأيام فاعله والإسناد مجاز والآثار مفعوله ولو كان الإبداء بمعنى الظهور أو الابتداء كانت الآثار فاعله والأيام ظرفا له. ثم أشار إلى بعض أنواع من آثار صلاحهم بقوله:
(من حام مجاهد) أي حام لنفسه وأصحابه من لحوق العار والضرر والإيذاء مجاهد في دين الحق مع المعاندين والأعداء.
(ومصل قانت) أي خاشع أو قائم أو ساكت عن الفضول أو داع أو قانت بالقنوت المعروف (ومعتكف زاهد) أي معتكف في المسجد على شروطه زاهد في الدنيا تارك لها أو قليل الأكل (يظهرون الأمانة) هي حفظ حقوق الخالق والمخلوق وفيه إيماء إلى أنهم لم يكونوا مستقرين فيها ولا موصوفين في نفس الأمر.
(ويأتون المثابة) هي المنزل لأن أهله يثوبون إليه أي يرجعون ومنه قوله تعالى: (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس) أي مرجعا ومجتمعا، ولعل المراد بها بيت الشريعة أو بيت الله الحرام ويمكن أن يراد بها ما يورث الثواب من الأعمال الصالحة، ثم أشار إلى سرعة انتقالهم عن الحالات المذكورة لعدم رسوخها واستقرارها إلى حالات منافية لها كانت راسخة في طبايعهم في أيام الجاهلية والاستبعاد غير مسموع كما دلت عليه روايات العامة أيضا وقد ذكرنا بعضها في شرح الأصول.
(حتى إذا دعا الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله) ورفعه إليه) أي إلى رحمته ورضوانه (لم يك ذلك) أي المذكور من أحوالهم الدالة على استقامتهم ظاهرا.
(إلا كلمحة من خفقة) الخفقة تحريك الناعس رأسه والتاء للوحدة والتنكير للتقليل واللمحة زمان رؤية واحدة وكثيرا ما يعبر بها عن الزمان القليل جدا ولذلك فسرها بمقدار زمان النعاس القليل أو زمان اختلاس النظر منه وهذا من أحسن العبارات في إفادة قلة الزمان مع إشارة لطيفة إلى دخولهم حينئذ في غفلة النعاس.
(أو وميض من برقة) أي لمعانها يقال: ومض البرق يمض ومضا وميضا وومضانا إذا لمع خفيفا، ولم يعترض في نواحي الغيم وهذه أيضا من أحسن البيان لإفادة قلة الزمان مع إشارة خفية إلى اضطرابهم.
(إلى أن رجعوا على الأعقاب) فضلوا عن طريق الصواب والرشاد، وسلكوا سبيل الغي والفساد، وعدلوا بالخلافة عنه وعن أهل بيته عليهم السلام إلى خلافة أبي الفصيل والرجوع على الأعقاب كناية عن الرجوع عما كانوا عليه ظاهرا من الانقياد للشريعة وأمر الله تعالى ورسوله ووصيته بأهل بيته وقد صح من طرق العامة والخاصة أنهم لم يشتغلوا بعد رجوعه (صلى الله عليه وآله) إلى الحق