دليل الحقيقة فيكون البعدية بلا فصل حقيقة عرفية، وكذا إذا قيل فلان جلس على سرير الملك بعد فلان فإنه لا يفهم منه إلا ذلك فكذا فيما نحن فيه وأيضا إذا سلم الخصم أن له جميع منازل هارون ومن منازل هارون أنه لم يعزله موسى (عليه السلام) عن الخلافة فكذا لم يعزل النبي (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) عن الخلافة فإذا كانت خلافته ثابتة مستمرة في حال الحياة وفي حال الموت وبعد الموت فلم يبق بعد الموت محل لخلافة الثلاثة. ثم من قال بإمامته بعد الرسول بلا فصل وفرض طاعته كطاعة الرسول لم يكفر جميع الصحابة وجميع الصدر الأول وإنما كفر من بلغه النص وخالفه ولا دليل على امتناع تكفير بعض الصحابة بل الأحاديث الدالة على كفر بعضهم وخروجهم من الرحمة الإلهية موجودة من طرق العامة أيضا وقد نقلناها في مواضع من هذا الكتاب ومن جملتها الأحاديث الدالة على طرد بعضهم عن الحوض فيقول (صلى الله عليه وآله) «أصحابي أصحابي، فيقال: ما تدري ما فعلوا بعدك فيقول «سحقا سحقا». وأما تكفير بعضهم عليا (عليه السلام) لعدم طلبه حقه فهو ظاهر الفساد لأنه (عليه السلام) طلب حقه وهم لم يسمعوا منه وقد ذكروا في كتبهم ذلك ونقلناه منهم في بعض المواضع من هذا الكتاب، نعم لم يجادلهم بالسيف لقلة ناصره.
(وقوله (صلى الله عليه وآله)) الظاهر أنه مبتدأ خبره محذوف، أي في ولايتي أو في نحوه وأن هذه الجملة يفسرها ما بعدها وهو قوله: (قائلا في محفله).
(حين تكلمت طائفة فقالت: نحن موالي رسول الله (صلى الله عليه وآله)) أي ملاك أموره ومتوليها بعده وكل من ولي أمره فهو مولاه ووليه أو ملاك أمور الخلائق القائمون بها بعده من قبله وبالجملة ادعوا أن أمور الأمة والتدبير والتصرف فيها لهم.
(فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى حجة الوداع ثم صار) بعد الفراغ منها (إلى غدير خم) هو موضع على ثلاثة أميال من الجحفة بين الحرمين أو خم اسم غيضة هناك بها غدير ماء وفيها مسجد للنبي (صلى الله عليه وآله).
(فأمر فأصلح له شبه المنبر) قيل: أصلح له ذلك من جهازات الإبل روي أنه تعالى أمر رسوله (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع أن يجعل عليا (عليه السلام) خليفته ووصيه بمحضر الخلائق ليبلغ الشاهد الغائب فلما أمره بذلك ضاق به صدره وتخوف أن يرتدوا عن دينهم وأن يكذبوه فراجع ربه فلما بلغ غدير خم أوحى الله إليه: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) فنزل وأمر باجتماع الناس فاجتمعوا وأصلح له شبه المنبر فعلاه وقال: من وليكم وأولى بكم من أنفسكم؟ فقالوا: الله ورسوله.
فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) ثلاث مرات فوقعت حسكة النفاق في قلوب القوم وقالوا: ما أنزل الله تعالى هذا على محمد قط وما يريد إلا أن يرفع