فلم أرها إلا غرورا وباطلا * كما لاح ظهر الفلاة سرابها وليس الاحتياج إليها مختصا بالجاهل بل العالم أيضا يحتاج إليها ولذلك قالوا: لا يتم رأي العالم ما لم تنضم إليه التجربة وذلك أن العالم وإن علم وجه المصلحة في الأمر إلا أن ذلك الأمر قد يشتمل على بعض وجوه المفاسد الذي لا يطلع عليه إلا بالتجربة مرارا ولذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «رأي الشيخ أحب من جلد الغلام» قيل وجه ذلك أن المشايخ يكونون أولى بالتجربة وأكثر رأيهم صواب والشبان وإن كانوا أصحاب فطانة فكثيرا ما يخبطون إذ لا تجربة لهم وأكثر الأمور الدنيوية التجربيات.
(والاعتبار يقود إلى الرشاد) أي أبصار الدنيا والاعتبار بأحوالها الحاضرة والماضية وبما ورد على الناس بسبب مخالفة الدين وأهله وجعلها مادة للتفكر يقود إلى الهداية والرشاد ورفض الدنيا والأعمال الصالحة للآخرة والعلم بما هو المطلوب للإنسان لعلمه بأن الدنيا متكدرة وأحوالها متغيرة وزهراتها متصرمة وأن الحكمة في خلق بدنه وما فيها من الآلات والمنافع إنما هي استكمال نفسه بتحصيل العلوم الكلية والأعمال الصالحة الحسنة وفضائل الأخلاق النفسية بتصفح جزئيات ومقايسات بعضها إلى بعض كالاستدلال بحدوث الممكنات وعجائب المخلوقات على وجوده تعالى وحكمته وقدرته وجوده فتحصل الهداية إلى عالم الملك وأسرار الملكوت وإلى السعادة الأبدية التي هي قرب الحق ومن ههنا علم أن الاعتبار سبب مادي لجميع ذلك.
(وكفاك أدبا لنفسك ما تكرهه لغيرك) من الأمور الثقيلة عليه كما روي: «إن من حقوق المؤمن أن تحب له ما تحب لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك» وهذا من أعظم الآداب الشرعية بل لا يتم إلا بتحقق جميعها أو من الأمور المذمومة شرعا لأن كراهتها سبب لأدب النفس وهو معرفة حقوق الله تعالى والإعراض عن تلك الأمور.
(وعليك لأخيك مثل الذي لك عليه) حقوق المؤمن كثيرة منها إشباع جوعته ومواراة عورته وتفريج كربته وقضاء حاجته والسؤال عن حاله عند رؤيته والزيارة والدعاء له في غيبته والاجتهاد والرغبة في خدمته والخلافة في أهله وولده بعد موته والإتيان بمرضاته في جميع الأحوال والإعانة له بالنفس واللسان والمال وغير ذلك مما هو مذكور في كتاب الكفر والإيمان.
(ولقد خاطر من استغنى برأيه) أي من استغنى برأيه وهواه في أمور الدين والدنيا خاطر وذهب يمينا وشمالا وخرج عن طريق القصد من الخطر بمعنى الاهتزاز والاضطراب أو ألقى بنفسه في الهلكة.
يقال: خاطر بنفسه إذا ألقاها فيها وفي النهاية المحدثون يسمون أصحاب القياس أصحاب الرأي، يعني أنهم يأخذون بآرائهم فيما يشكل من الحديث أو ما لم يأت فيه حديث ولا أثر انتهى.